أمين عثمان: الكيل بمكيالين (3)

نصار عبد الله السبت 21-05-2016 21:51

المقال الذى نشرته الأستاذة لوتس عبدالكريم فى «المصرى اليوم» بمناسبة مرور سبعين عاما على اغتيال أمين باشا عثمان الذى عرفنا من المقال أنه خال سيادتها، هذا المقال يقود إلى الحديث عن أكثر من قضية مهمة متعلقة بالحكم على الأشياء والأشخاص والتأريخ لهم، أولى هذه القضايا هى ازدواج المعايير أو الكيل بمكيالين، حيث الكثيرون منا يسارعون إلى إدانة التصفية الجسدية لشخصية معينة (غالبا يتفقون معها فى التوجه، أو على الأقل يشعرون نحوها بمشاعر إيجابية) ولا يترددون من ثم فى وصفها بأنها جريمة إرهابية بشعة، فى حين أنهم يسبغون صفة العمل البطولى أو الوطنى على تصفية شخصية أخرى يشعرون نحوها بمشاعر سلبية، رغم أن جوهر الواقعة واحد فى الحالتين، ولقد كان اغتيال أمين باشا عثمان، ثم بعد ذلك بخمسة وثلاثين عاما اغتيال إحدى الشخصيات التى شاركت فى التخطيط والتنفيذ لعملية اغتياله، وأعنى بها شخصية الرئيس أنور السادات، كانت هاتان الواقعتان تمثلان المثال الأجلى للكيل بمكيالين الذى يتسم به الكثيرون منا، فبفضل الواقعة الأولى تحول أنور السادات إلى معشوق للكثيرين، ومن بينهم جيهان صفوت رؤوف (التى أصبحت فيما بعد جيهان السادات)، والتى روت فى أكثر من حديث تليفزيونى أنها كانت تتابع باهتمام شديد، شأنها فى ذلك شأن كثير من المصريين، أخبار قضيته، وأنها كانت تحلم به حتى قبل أن تراه!.. ثم تشاء الأقدار بعد ذلك أن يتعرض الرئيس أنور السادات نفسه للاغتيال فلا يكون هذا مناسبة لأن يعيد المعترضون على توجهات أمين عثمان النظر فى موقفهم المؤيد لاغتياله، ولا يجدون تناقضا بين ابتهاجهم بما قام به السادات (وهو ما تبدى فى تصفيقهم له فى فيلم «أيام السادات») لا يجدون تناقضا بين هذا وبين استنكارهم الشديد لاغتيال السادات نفسه!!.

أما القضية الثانية التى يقود المقال إلى التطرق لها فهى قضية الانفصال بين شرائح نخبوية معينة من المجتمع المصرى أتيح لها أن تنشأ نشأة معينة أو أن تتلقى تعليما خاصا مميزا أو أن تتثقف ثقافة واسعة كرست فى وجدانها الإحساس بالتميز، وبين النبض الجماهيرى الواسع، وأغلب الظن أن أمين باشا قد غرق فى هذا الإحساس إلى أبعد مدى ممكن فهو خريج كلية فيكتوريا التى تُقدم لأبنائها أرقى تعليم عرفته مصر، بل إنه واحد من المتميزين بين الخريجين أنفسهم، ثم هو بعد ذلك خريج أكسفورد التى هى واحدة من أرقى جامعات العالم، والواقع أن خطبته الشهيرة التى ألقاها فى حفل الخريجين والتى اعتبرها البعض دليلاً على خيانته هى فى تصورى دليل على وطنيته!، فهو يحاول أن يجد حلاً لتلك المعادلة الصعبة التى لاشك أنها كانت تؤرقه وهى كيف يضفى شرعية معينة على مصدر تميزه كمواطن مصرى تميز بالتعليم الإنجليزى على باقى المصريين، بعبارة أخرى كيف يجمع بين مصريته وإنجليزيته دون أن يكون تابعا لبريطانيا، والحل الذى أسعفه به تفكيره هو فكرة الزواج القائم على الحب بين مصر وبريطانيا..

ومرة أخرى فإن هذا الحل لا يعكس انعدام الوطنية ولكنه يعكس الانفصال الشديد بين واحد من المنتمين إلى شريحة نخبوية معينة وبين المزاج الشعبى العام الذى كان ينطوى على كراهية شديدة لبريطانيا وإلى الذين لا يتوجهون إليها بالعداء السافر، ومن بينهم أمين عثمان، من هنا فإن الغالبية الغالبة من المصريين قد شعرت على الأرجح بنوع من الشماتة فى مقتله، خلافا لما ذكرته الأستاذة لوتس التى صورت مقتله وكأنه فجيعة قومية، وهى فى هذا لا تعتمد على مصادر موثقة، قدر ما تعتمد على انطباعاتها الشخصية والعائلية.

nassarabdalla@gmail.com