في بلدنا العقل ليس زينة.. إذا إنتقدت سياسات فانا مغرض ومن قوى الشر.. طالما مدحت مبارك فلا يجوز لى النقد.. اما إذا اثنيت على شىء بعد توفر معلومات حقيقة عنه، فانا مغرض واسعى لنيل حظوة ما ولماذا أغير موقفى الآن.. هل تعرضت لضغوط أم جبنت وتواريت .؟.
هذه المقدمة اراها ضرورية وانا اكتب عن مبادرة السيسى للسلام مع إسرائيل.. رأيى أنها أهم إنجاز له في العامين الماضيين إلى جانب تحسين خدمات الكهرباء إلى حد كبير رغم إرتفاع الأسعار.. اليوم وانا اتعرض لحديث السلام «الدافىء» الذي نال مديحا بلا معلومات وتلقى طعنات لتصفية حسابات، أؤكد أن ما اكتبه يستند إلى معلومات دقيقة حصلت عليها بطريقتى القديمة.. هاتفت مسئولين سابقين ودبلوماسيين أجانب وأصدقاء من جهة سيادية ..
المحصلة هي ما ستقرأوه.. واذكركم اننى في أول مقال لى بالمصرى اليوم تعرضت لتقارب محتمل بين دول الخليج واسرائيل لمحاصرة المد الإيرانى وان جسر الملك سلمان يخدم اهدافا إستراتيجية عربية واكرر «عربية».. طبعا نالنى هجوما من القراء الإعزاء.. البعض زعم اننى ادعو للتطبيع مع العدو الصهيونى.. آخرون اكدوا أن السعودية هي العدو وليست اسرائيل وإيران لأنها تقتل المسلمين في سوريا واليمن وغيرها.. الخ ..
من ثم سينال هذا المقال انتقادا كثيرا.. وربما يراه القليلون متوازنا.. لكنى اؤكد أن ما فيه معلومات موثقة وإستنتاجات مبنية عليها.. واذكركم أن الإجتهاد مطلوب.. والتجديد مرغوب.. هذا المقال لمصر بلدى.. وليس للرئيس.. هيا ..
( 1 )
سأبدا بالهجوم على المبادرة واصطياد كلمة سلام «دافىء» وعلي ما زعموا ان فيها اساءة لمصر والرئيس.. وهل كانت هناك ضرورة ليتحدث عنها في إفتتاح محطة كهرباء أو أي مشروع قومى آخر ..
الإجابة بالمفهوم العسكرى.. ان المنتصر في أي حرب هو الذي يحدد التوقيت.. ونفس المفهوم ينسحب على السياسة.. كلمة «دافىء» مقصودة، فالسلام أصبح باردا بين مصر وإسرائيل فجأة.. واستدعاء الدفء ليس معناه قبلات وعناق.. ولكنه اشارة إلى انتقال فعلى من «غرفة التجميد» وعنبر «العناية الفائقة» إلى «ميكرويف» يعيد تدفئة السلام بحيث يمكن أن تضعه مرة أخرى على المائدة.. مائدة التفاوض طبعا.. هذه واحدة ..
( 2 )
الثانية أن مصر ستسلم رئاسة القمة العربية نهاية يونيو، وطرح هذه المبادرة على جدول أعمال القمم العربية القادمة سيكون بديلا عن مبادرة الأرض بالسلام التي طرحها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله في القمة الخليجية بمسقط قبل 15 عاما.. ولم يعد احد يذكرها ..
( 3 )
مازال هناك متشنجون وحنجوريون يصرون على انه لا إعتراف بالكيان الصهيونى ولابد من تحرير فلسطين بالسلاح.. يزعمون ان إسرائيل قوة مزيفة ومجردة من الموضوعية والواقعية.. فهل نحن مستعدون لحرب مع إسرائيل والإرهاب ومخطط تقسيم الشرق الأوسط معا ..
وهل سينتهى بنا الحال إلى أن نكون «الهنود الحمر» في المستقبل لأننا نصر على العيش في الماضى.. ولا نقرأ المشهد بطريقة صحيحة.. إسرائيل للأسف قوة إقليمية وعضو بالأمم المتحدة. وأصبح السباق بينها وبين العرب علميا وإقتصاديا يتضاعف يوما بعد آخر لصالحها.. ونحن مازلنا ندفن رؤوسنا في الرمال ..
( 4 )
ستظل إسرائيل «ورقة ضغط» في يد أي معارضة عربية.. ايام حكم الاخوان كتب محمد مرسى برقية تهنئة للرئيس الإسرائيلى قال فيها عزيزى رابين فهاجت المعارضة.. وعندما تحدث السيسى عن السلام الدافىء هاج الإخوان، مع أنهم كانوا البادئين في مد حبال الود والغزل مع إسرائيل وحماس في الوقت ذاته ..
لأول مرة يعجبنى خطاب مرتجل للرئيس السيسى، ويبدو أنه بدأ يسمع نصائح مخلصة بضرورة إستخدام المحترفين في اعداد نقاط خطابه «المفاجىء».. أول مرة يشير اليسسى إلى شجاعة السادات وخطواته من أجل تحقيق السلام.. تخلص الرئيس السيسى من عباءة عبدالناصر التي حاول كثيرون الباسه اياه , وارتدى ما يلائم العصر وظروف المنطقة وتحدث بمفردات السادات الذي كان سابقا لعصره , رغم أنهم اغتالوه حيا وميتا ..
(5 )
دعوة السلام التي انطلقت من مصر تؤكد أن القاهرة أصبحت «كلمة السر» للشرق الأوسط الجديد.. لن تتمكن واشنطون من لعب مؤامراتها وشرورها وإصرارها على التعامل مع الاخوان.. مصر كلمة السر الجديدة التي ستتصدى لمخططات التقسيم القادمة أو الحالية وستفسد كل خطط تبادل الأراضى التي كانت تستعدلها امريكا مع اسرائيل لمحاصرة مصر ..
المبادرة تعنى أن المقولة القديمة التي اطلقها السادات بأن 99 % من اوراق اللعبة في يد امريكا قد انتهت.. لم تعد الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة في العالم.. هناك شراكة مصرية أوروبية روسية قوية ستحل محل الطرف الثالث في السلام.. المعادلة الجديدة مصر والخليج + أوروبا + إسرائيل + الفلسطينين وسأشرح هذا بالتفصيل في الجزء الثانى من المقال ..
هنا يهمنى الإشارةايضا إلى أن كيسنجر في كتابه الشهير years of upheaval كتب أن المحاور الثلاثة لعلاقة مصر وامريكا ترتكز على تسليح الجيش المصرى واتفاقية السلام وقناة السويس.. هنا لابد من الإشارة إلى أن الجيش المصرى تحرر من القيد الأمريكى على شراء السلاح وبدأ يجلب اسلحته الحديثة من فرنسا وروسيا والصين والمانيا ..
مصر تخلصت من الإلتزام بالتسليح الأمريكى وكسرنا احتكار السلاح وخرجت مصر من دائرة النفوذ الامريكى للأبد.. اما قناة السويس التي كانت مانعا مائيا امام إمتداد وتمدد الجيش المصرى طبقا لاتفاقية كامب ديفيد فقد اصبحت جزءا من خطة تنمية اقصادية..
كما اصبح الجيش المصري متمركزا في المناطق التاخمة لإسرائيل.. ولاحظ انه رغم ان الإنتشار تم بموافقة تل أبيب، إلا أن تواجد السلاح المصرى في سيناء لن يكون مؤقتا أو مرتهنا بالحرب ضد الإرهاب ولكن للأبد.. هنا لابد ان ندرك ان تل ابيب لاتوافق على شىء رغما عنها إلا اذا كان هناك ماتخشاه أو ستتحقق استفادة ما..
معطيات السلاح المصرى في الوقت الراهن افاد السياسة المصرية وخدم استقرار دول الخليج وحصن مستقبلها وامتد تاثيره على سوريا.. كيف؟ سنتابع بمشيئه الله ..