الحياة ستنتصر رغم أى حزن وألم

ياسر أيوب الجمعة 20-05-2016 21:43

استقبل مطار القاهرة صباح أمس ثمانية وسبعين مصريا وأجنبيا جاءوا من باريس بطائرة مصر للطيران فى الرحلة رقم 804.. نفس رقم الرحلة اليومية المعتادة بين باريس والقاهرة التى لم تكتمل فقط صباح أمس الأول بعد اختفاء الطائرة وسقوطها فى الماء.. وربما كان هذا الخبر لا يعنى أى شىء لدى كثيرين لا يزالون مشغولين بالبحث عن أسباب وتفاسير لسقوط الطائرة أو اختراع هذه الأسباب وتطويع تلك التفاسير حسب الاجتهاد والقناعات المسبقة والمزاج والهوى.. لكننى مع عميق حزنى وأسفى لرحيل ستة وخمسين إنسانا وعشرة من طاقم مصر للطيران ماتوا فى تلك الطائرة التى اختفت وسقطت.. توقفت كثيرا أمام الثمانية وسبعين إنسانا الذين ركبوا فى صباح اليوم التالى لذلك الحادث المؤلم طائرة لنفس الشركة تحمل نفس رقم الرحلة وسافرت من باريس أيضا إلى القاهرة وهبطت فى مطار القاهرة فى نفس موعد وصولها المعتاد.. فهذا يعنى أن الحياة ستستمر مهما كان الحزن والألم، أو كانت محاولات البعض لتعطيلها وإيقافها.. وإذا كان هناك للأسف الشديد من أسعدهم جدا وقوع هذه الطائرة، ورقصوا ابتهاجا بموت هؤلاء الأبرياء والضحايا نكاية فى مصر وإدارتها ورئيسها وأهلها الذين أيدوا هذا الرئيس واختاروه.. إذا كان هناك من بات الدم يمثل لهم البهجة وأصبح موت آخرين ووجع بيوت مسالمة وآمنة يمثل لهم انتصارا سياسيا يحلمون به ويريدونه على حساب أى شىء وأى أحد حتى لو كان بلدا بأكمله.. فإن أحد الحلول اللازمة لمواجهة هؤلاء وعقولهم وخططهم وشرورهم هو الإصرار على أن تستمر الحياة..

هكذا تعلمنا من كل التجارب السابقة ومن الآخرين حولنا أيضا.. فاستسلامنا للحزن والأسى والألم لن يعنى فى النهاية إلا انتصار أعدائنا علينا.. الاستسلام لحالة الصراخ الموجع والصخب الأجوف حول ما جرى واستسهال واعتياد فوضى الكلام والأحكام والاتهامات هو الحبل الذى يريد خصومنا أن نقوم بلفه حول كل رقابنا نحن، وأيامنا وأحلامنا وبلادنا أيضا.. ولهذا كان لابد أن يلعب الأهلى أمام روما يوم أمس.. وأن يقف الجميع دقيقة للحزن والحداد قبل بداية المباراة.. وأن يتوقف التشجيع فى الدقيقة السادسة والستين من المباراة.. لكننى لن أرى أى انشغال بالمباراة ونتيجتها باعتباره نسيانا لما جرى أو عدم احترام للموت والألم.. فلابد أن تتواصل الحياة وألا يسمع العالم حولنا ونسمع نحن أنفسنا من وعن بلادنا إلا أخبار اختفاء الطائرة وسقوطها.. وإذا كان هناك منا من سيرون أن ذلك يعنى عدم احترام الذين ماتوا وأحزان بيوتهم وعائلاتهم.. فتلك رؤية خاطئة.. فالاحترام قائم والحزن صادق جدا ونبيل أيضا، لكن الحياة لابد أن تستمر.. ومصر لابد أن تنتصر.. وباريس نفسها بعد حادثتها الأخيرة المؤلمة واصلت حزنها على ضحاياها وفى نفس الوقت كانت حريصة على ألا يراها العالم متشحة بالسواد أو مستسلمة للصراخ.. باريس وكل مدينة أو دولة تعرضت لأى حوادث أو كوارث من أى نوع ولأى سبب كانت تسعى لأن ينسى العالم بسرعة ما جرى حتى تدوم الحياة وتبقى ممكنة ومحتملة.