يقول الكاتب البريطاني «توم هولت» إن المهم في السياسة هو ما لم يتم البوح به، و هذا يدفعنا إلى التفكير بعمق عند تحليل الخطاب السياسي. فما يقوله الساسة الكبار له عدة مستويات للفهم والتحليل. والسياسي البارع يقول الشيء في الوقت المناسب للشخص المناسب في الظرف المناسب. وهذا أمر شديد التعقيد يحتاج دراية سياسية ووعي ومعرفة عميقة بكافة اطراف اللعبة السياسية ومدي تأثيرهم في الظرف الراهن وحركة المستقبل.
أشار الرئيس السيسي في كلمته عند افتتاحه لبعض المشاريع بأسيوط لحتمية التوافق الفلسطيني – الفلسطيني ( فتح- حماس) حتي تنطلق عملية السلام، وأشار أيضاً إلى أنه في حال نجاح عملية السلام سوف يعم الخير على الجيل الحالي والأجيال القادمة في الشرق الأوسط عموماً وعلى فلسطين وإسرائيل بصفة خاصة، واشار لضمان أمن إسرائيل. هذا هو الخطاب المعلن، وقد وجد ترحيباً رسمياً في إسرائيل، وسوف يلقي ترحيبا من أطراف أخرى بعضها يعلم بتوقيت ذلك الخطاب والبعض الأخر فوجئ لكنه مستعد للتوافق مع الرؤية المصرية.
مما لا شك فيه أن إسرائيل لاعب سياسي شديد البأس ويمتلك من القدرات التفاوضية الكثير، ومما يعقد الأمر أكثر أنها دولة لديها مستوي تعليمي واقتصاددي وعلمي وبالتالي عسكري أقوي بكثير من الجانب الفلسطيني، ويبدو للوهلة الأولي الجانب الفلسطيني هو الأضعف، لكن القصة ليست كذلك تماماً.
حقيقة الأمر أن الجانب الفلسطيني هو الجانب الأضعف، لكن عند وجود مبادرة عربية، وبمعايير السياسية الدولية لابد وأن تتقارب الكفة الفلسطينية من الكفة الإسرائيلية حتي ترضي إسرائيل القوية المدعومة دوماً من الولايات المتحدة الأمريكية بالجلوس على مائدة المفاوضات والتنازل عن أراض هي ليست مضطرة لأن تتنازل عنها، وهنا يتحرك الخيال السياسي قليلاً، ونفكر كيف سوف يتم مقاربة كفة فلسطين المنقسمة على ذاتها بكفة إسرائيل مغتصبة الحق الفلسطيني لكنها مدعومة دولياً!!
و نعود هنا لما قاله الرئيس السيسي بأن الخير سوف يعم المنطقة، ويبدو وأن الخير ذاهب لإسرائيل حتي تجلس على مائدة المفاوضات، وفي الأغلب سوف تقوم دول الخليج بمنح إسرائيل مزايا اقتصادية تغريها بأن تقبل عملية سلام هي ليست مضطرة أن تخوضها.
لا يجلس الفرقاء إلى مائدة المفاوضات إلا تحت ضغط أو خوف أو مزايا عينية، واظن أننا في المشهد السياسي الحالي نقترب من الحالة الثالثة «مزايا عينية» وهذا ما قد يمنح الحديث عن عملية السلام قدراً من الواقعية قد يقودها إلى النجاح، وقد تنجح تلك الطريقة في إنهاء صراع دام طويلاً وذلك لعدم فهم أحد أطراف الصراع ( الجانب العربي \ الفلسطيني) كيف تدار اللعبة ومدي قدرته على الحفاظ على حقه أو التفاوض بشأنه، لم تفهم معظم الأطراف العربية كيف تدير فعلا سياسيا ناجحا، ففريق يتحدث دوماً عن عدالة الجانب الفلسطيني، وكأن عدالة الموقف سوف تجبر الطرف المعتدي على منحك ما سلبه منك لحظة كنت نائما. وفريق آخر يتحدث عن وحدة عربية قادرة أن تحل المشكلة، وهذا الفريق لا داعي أن نناقشه حتي لا يصحو من الحلم. وأظن أن الوقت يداهمنا ويضيع أجيالا وراء أجيال تتغني بأحلام وردية ووعود سياسيين مضللين غارقين في أوهام دفاتر الأشعار وأكاذيب هم يعلمونها ويرددونها.
شريف رزق
sherifaq@gmail.com