هل هي زلة لسان، أم توبة، أم استفاقة متأخرة.. أم فقط بحث عن تموقع وتبرئة ذمة من الأزمة الأمنية والاقتصادية التي تعيشها تونس؟ وإلا بماذا نفسر رسالته لحركة الإخوان المسلمين، عائلته السياسية، عندما قال: «طريقكم خاطئ وجلب الويلات للمنطقة»؟
وهل صحيح نجح الرجل في فك ارتباط حركة النهضة مع الحركة الأم «الإخوان المسلمين»، أم أنه يريد من وراء هذا التصريح ترميم الشرخ الحاصل في الحركة نتيجة صراعات داخلية وصراعات زعامة، قبيل المؤتمر العاشر للحركة الأسبوع المقبل؟
أسئلة كثيرة وجب طرحها حول الحركة وزعيمها منذ رسالته لتنظيم الإخوان في اجتماع تركيا، الشهر الماضى، وهل يُفهم منها أن الحركة تقوم من داخلها بإعادة تصحيح المسار، بعدما جلب دخولها الحكم في تونس أضرارا جسيمة على البلاد اقتصاديا وسياسيا، وفتحها أمام مغامرة مازالت لم تنتهِ بعد، وكلفت البلاد ليس فقط انعدام الأمن وتعشيش الإرهاب، بل أيضا ضرب الاستقرار والسياحة كأهم قطاع اقتصادى في تونس؟
لكن لنصدق القول أن الرجل محق، وأجدنى لأول مرة أتفق مع أطروحاته، عندما يقول إن تونسيته هي الأهم، ولا يريد لتونس أن تكون ليبيا، وهو من كان يجتمع سرا بالشباب السلفى ويدعوهم للتنظيم والتدريب لأن بقاء الحركة في الحكم ليس مضمونا، وهو الكلام الذي قاله في أكتوبر 2012 وأثار ضجة إعلامية وعبر المواقع في تونس وقتها.
انتقادات جريئة وجهها الرجل لحركة الإخوان، وهى نفس الانتقادات والعيوب التي كان يوجهها من يسميهم الإخوان (بالآخرين) واللائكيين أو حتى الكفار.
فكم مرة انتقد «الآخرون» الإسلام السياسى وخلطه بين الدين والسياسة، وما يترتب عنه من انسدادات واستغلال للدين من طرف السياسيين، مما يضيف إليهم نوعا من القداسة ويحميهم من الانتقادات والمساءلة.
من الجيد إذاً أن يقطع الرجل الصلة مع إرث الإخوان، ويوجه جهوده السياسية لحماية بلاده من ويلات الإرهاب مثلما يدعى، لكن ماذا يبقى للرجل من صفة، وهو الذي لعب دورا قذرا تجاه الجزائر أثناء الأزمة الأمنية، وانتقد وقف المسار الانتخابى الذي حمى الجزائر من أخونة الحكم؟ الأخونة التي انقلب عليها الغنوشى اليوم، وهى نفسها الأخونة التي استفادت من دعم قطر والمملكة في أول انتخابات ديمقراطية فازت بها الحركة، قبل أن يلفظها الشعب التونسى وتفقد الأغلبية في الانتخابات الأخيرة.
ثم ما هي المرجعية الفكرية التي ستبنى عليها نهضة الغنوشى أفكارها مستقبلا، هل ستتحول إلى حزب وطنى ينافس «نداء تونس» بعدما تحول هذا الأخير على يد قايد السبسى إلى «تجمع دستورى» جديد مثلما كان الحال زمن بن على، أم أن الواقع التونسى المرير كشف عورة الأحزاب الدينية، وجهلها ليس فقط بأساليب الحكم، بل أيضا افتقارها للمشروع الذي من شأنه تقديم الحلول المنتظرة من الشعب التونسى هو ما أجبر الحركة على وضع رجلها على الأرض والتواضع والبحث لها من جديد عن طريق تسلكه قبل أن يجردها الواقع من أتباعها وتندثر!.
نقلاً عن صحيفة «الفجر» الجزائرية