تابعت من لندن حادث اختفاء الطائرة، وكان خبر اختفائها بارزاً فى صدر نشرات الأخبار الإنجليزية وغير الإنجليزية، وكانت كل شاشة تذيع الخبر مع صورة لإحدى طائرات «مصر للطيران»، وعنوان يقول: اختفاء طائرة مصرية أثناء عودتها من باريس!
وعلى شاشة الـ«بى. بى. سى»، كان خبر الحادث مصحوباً بخريطة فوق الشاشة، توضح من أين بالضبط أقلعت الطائرة من باريس، فى غرب أوروبا، ثم أين بالضبط أيضاً اختفت عن أجهزة الرادار، أسفل شرق أوروبا تقريباً، وفوق البحر المتوسط!
وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لم يكن هناك شىء واضح عن الموضوع، ولم تكن هناك أى معلومة مؤكدة عن شىء جرى للطائرة، وكان الشىء اللافت الوحيد هو ما صرح به مصدر يونانى ملاحى، عن احتمال تحطم الطائرة بالقرب من جزيرة كارباثوس فى البحر المتوسط.
وكان الإعلان عن أن البورصة خسرت 4 مليارات جنيه فى بدء تعاملاتها، صباح أمس، دليلاً على أن مجرد إذاعة خبر الاختفاء، دون أى معلومة عنه من أى نوع، قد أدى إلى تأثير سلبى فى الحال.. فما بالك بتأثيره طويل المدى، على السياحة خصوصاً، إذا ما ثبت أن الاختفاء نتج عن عمل إرهابى، تحطمت به الطائرة وسقطت فى البحر!
وفى لندن، وضعت نفسى مكان أى مشاهد بريطانى أو غربى، وتصورت كيف سيكون وقع الخبر عليه، ثم توقعت أنه سيتعامل معه، وهو يطالعه على الشاشات، بمثل ما يتعامل قارئ الصحف عندنا، فى أغلب الحالات، مع أخبارها!
إنه يقرأ العنوان وفقط.. أى عنوان.. ثم يمر سريعاً عليه إلى خبر آخر، ولا يكلف خاطره بقراءة التفاصيل، ولا بالبحث عن معنى للعنوان فى أصل الخبر، إلا إذا كان الأمر يهمه جداً، وإلا إذا وجد فى ذلك ضرورة!
فإذا ما كان العنوان الظاهر على الشاشة، فى العاصمة البريطانية، أو فى أى عاصة غربية أخرى طبعاً، هو اختفاء طائرة مصرية فوق البحر.. فالمعنى السلبى الذى تجلى فى خسائر البورصة، منذ اللحظة الأولى، سوف يكون هو نفسه الذى يترسب ويبقى فى ذهن المشاهد، حتى ولو تبين فيما بعد أن الاختفاء لم يكن وراءه أى عمل إرهابى، وحتى ولو تم العثور على الطائرة سليمة بركابها الـ66 فى أجواء الفضاء!.. فخبر العثور عليها بهذه الحالة، حين يذاع، لن يكون فى مثل إثارة خبر اختفائها!
وعلينا أن نلتفت إلى أن الطائرة أقلعت من مطار فرنسى، وليس من مطار مصرى، وأن إجراءات الأمن السابقة على إقلاعها هى إجراءات فرنسية خالصة، ولا علاقة لمصر بها.. فهل سيتم حظر طيران السياح الروس إلى باريس، ومعهم السياح الإنجليز، إلى العاصمة الفرنسية، كما جرى معنا بعد حادث طائرة شرم، أم لا؟!.. هذا هو السؤال!.. وهل جاء دور محاولات إفساد علاقتنا مع فرنسا، بعد محاولات فى الاتجاه نفسه جرت مع إيطاليا، ومع روسيا؟!
كنت فى لندن أسأل كل شخص أصادفه عن الموعد الذى يتوقعه لعودة السياح الإنجليز إلى شرم، وكان ذلك بالطبع قبل اختفاء طائرة باريس، ويبدو أن سؤالاً كهذا سوف يكون فى غير محله بعد حادث الاختفاء، كما يبدو أن السياحة على أرضنا لم يحدث أن ساء حظها بمثل ما ساء هذه الأيام!