داخل مقر صغير بمنطقة فيكتوريا، إذ لا يعرف الجيران فى شارعه عنه الكثير، يجلس المخرج السكندرى أحمد الأشوح، يومياً، داخل مركزه التعليمى، الذى تزين حوائطه وأبوابه لوحات لشخصيات كارتونية طريفة، ليعمل مع مجموعات من الأطفال، تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات، على كيفية تصميم وصناعة أفلام الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد.
حداثة الفكرة على المجتمع المصرى بشكل عام، والسكندرى خاصة، جعلته عرضة للإحباط من أغلب الأصدقاء والمعارف من داخل الوسط الثقافى والفنى وخارجه، ممن راهنوا على فشل المشروع قبل بدايته، وكما يقول الأشوح لم يتوقع أى من معارفه أن يلتحق أحد بدوراته التعليمية الجديدة فى فكرتها ومحتواها، إلا أن النتيجة جاءت مبشرة بالأمل، رغم ضعف إمكانيات المشروع فى بدايته، وقلة الدعاية له؛ حيث التحق بدورات المركز، الذى افتتح فى مايو الماضى، 5 مجموعات، كل منها مكونة من 5 أطفال، بالإضافة إلى مجموعات الشباب، وأخرى لصنع الأفلام ثنائية الأبعاد، وكذلك دورات لتعليم فن الكاريكاتير.
يستعد «الأشوح» للمرحلة الثانية من مشروعه، وهى إجراء المونتاج لمجموعة من الأفلام القصيرة التى صنعها الأطفال، التى كانت ضمن مشروعات التخرج الناتجة عن ورش العمل، والتى سوف يتم عرضها على الجمهور، فى إجازة نصف العام، تمهيداً لاستكمال مراحل التدريب، التى ينتقل بها الأطفال من خريجى الورشة الأولى، إلى المستوى الأعلى، وهو القيام بجميع أعمال الفيلم، من كتابة، وتصميم، وتحريك، ومونتاج وإخراج.
من داخل المركز تحدث الأشوح لـ«إسكندرية اليوم» عن بداية علاقته بعالم الجرافيك والرسوم المتحركة. وعن فكرة مشروعه، وخطط المرحلة المقبلة، بدأ حديثه قائلاً: «تخرجت عام 1993 فى قسم النحت بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، تعلمت بعدها برامج الكمبيوتر وتصميم الجرافيك، وعملت فترة مصمم جرافيك فى قسم الوسائط المتعددة بالأكاديمية العربية للنقل البحرى، كان نشاطى الوظيفى هو تحويل الكتب المدرسية لأقراص مدمجة«C.D»، وكانت هذه الوسيلة التعليمية فى وقتها هى أحدث ما يقدم للتلاميذ والأطفال، وبعد أن زادت خبرتى فى مجال الجرافيك قررت ألا أكتفى بالشكل الروتينى التقليدى لما أصنع من أفلام، فصنعت فيلم رسوم متحركة قصيراً للأطفال بعنوان «مغامرات العم فن»، وكانت المفاجأة السارة بالنسبة لى هى فوز الفيلم بجائزة خاصة فى مسابقة سوزان مبارك، وهو ما شجعنى على الخروج من حالة الموظف إلى حالة جديدة أساسها «الإبداع والابتكار».
ويتابع: «بعد إنجاز الفيلم الأول بالتكنيك ثنائى الأبعاد، وبالتحديد عام 2008 استهوتنى فكرة صناعة الأفلام القصيرة، وقررت تطويرها، لأصنع فيلما ثلاثى الأبعاد، استعنت ببرامج الكمبيوتر، ألفت قصة بسيطة، حول فردتى حذاء، إحداهما تحب المنزل والأخرى تحب المغامرة والترحال، تعيشان دائماً فى حالة صراع، سميت الفيلم «يوميات حذاء»، وبعد انتهائى منه، وأثناء بحثى عن طريقة لعرضه جماهيرياً، وجدت بالصدفة إعلانا على الإنترنت لمهرجان اليونان للأفلام المستقلة، الذى لا يشترط سوى ألا تزيد مدتها على 10 دقائق، ملأت استمارة الالتحاق إلكترونيا، وفوجئت بعدها بشهرين بقبول فيلمى للعرض، والذى كان دافعاً قوياً لى، توالت بعد ذلك المهرجانات منها: «أفران» فى المغرب، «أفريكان إنيمشن» فى غانا، «بيروت متحركة» فى لبنان.
كانت تلك هى الانطلاقة الأولى له، التى أهلته ليكون عضواً فى المنظمة الدولية لأفلام الرسوم المتحركة (استيفا)، ليصبح واحداً من أوائل المؤسسين لفرع «استيفا» بمصر، التى تتكون الآن من 15 شخصاً من الفنانين المصريين، ومعهم الفنانون الأفارقة والعرب.
تنمية النواحى الفنية والثقافية للأطفال عن طريق الفن لم تكن من الأولويات على أجندة «الأشوح»، إلا أن قيام أحد أصدقائه من المخرجين بتجربة صناعة فيلم ثنائى الأبعاد يقوم به الأطفال برسم الشخصيات، هو ما شجعه على خوض التجربة، ويوضح: «أعجبتنى فكرة مشاركة الأطفال فى صناعة الأفلام، قربهم من عالم الكارتون، وسعة خيالهم، والطريقة التى اعتادوا أن يروا بها العالم، تجعل منهم (مادة خام) جيدة، يمكن استخدامها وتطويرها لصناعة أفلام رسوم متحركة متميزة، بالإضافة إلى أن المشاركة فى صناعة تلك الأفلام تسهم بشكل رئيسى فى تنمية ملكات الإبداع والابتكار لديهم، وهو ما يفقده الأطفال المصريون مع الوقت، بسبب نظام التعليم والمناخ العام».
كانت التجربة الأولى له فى التعامل مع الأطفال، هى ورشة عمل فى صناعة الأفلام بمؤسسة رشيد، حيث استفاد المخرج من خبرة صديقه، وأضاف إليها خبرته فى مجالى النحت وصنع الأفلام ثلاثية الأبعاد.
اختار «الأشوح» رواية «ناس النهر» للكاتب النوبى حجاج أدول، لتحويلها إلى فيلم بنفس الاسم، وتدور أحداثها فى النوبة، بعد أن لخصها وبسطها للأطفال، لتبدأ الورشة بتعريف الأطفال بحياة النوبة، من حيث الطبيعة، أشكال المنازل، الملابس، العادات، وأنماط الحياة، وطلب منهم رسم ما شاهدوه، ثم تحويله إلى مجسمات للشخصيات والخلفيات من الصلصال وعجينة الورق، ليتم بعد ذلك تركيب الخلفيات مع الشخصيات التى تم تحويلها لثلاثية الأبعاد.
فى غرفة العرض بالمركز، شاهدنا مع المخرج «ناس النهر»، الذى شارك به فى مهرجان «انيمكام» بإسبانيا، وهو مهرجان عالمى، قرر فى بدايته أن يتخصص فى الأفلام المصنوعة بأيدى الأطفال فقط، إلا أنه مع قلة الأفلام المتقدمة من تلك الفئة، توسع لقبول أفلام الكبار.. حرص «الأشوح» فى بداية الفيلم على التأكيد لنا أن قيمته لا تأتى من مستواه الفنى والتقنى، والذى لا يرتقى بالطبع للأفلام المصنوعة بأيدى المحترفين، ولكن صناعة الأطفال لأعماله هى ما يجعلها تتميز عن مثيلاتها.
اشترك الأطفال فى وضع السيناريو، وقاموا بصنع جميع الخلفيات التى ظهرت فى الفيلم، ورسم أزياء وملامح الشخصيات ونحتها على مجسمات من الصلصال، ورسم انفعالاتها وأوضاعها المختلفة، كذلك الأداء الصوتى لها، ليتولى «الأشوح» مهمة التحريك والمونتاج والإخراج.
بعد نجاح التجربة اتخذ «الأشوح» إحدى أهم الخطوات فى حياته المهنية، بالاستقالة من وظيفته، تمهيداً لإنشاء المركز والذى يساعده على تحقيق رؤيته الخاصة والقائمة على عنصرى تدريب الأطفال وإنتاج المسلسلات وأفلام الرسوم المتحركة.
«تخيل أن فى يدك قطعة صلصال، تستطيع أن تشكلها بنفسك وتصنع منها شخصية، وتلونها وتحركها، تجعلها تضحك وتتكلم، وأن تكون هذه الشخصية بطلة قصة، وفى النهاية تكون قادراً على عمل فيلم رسوم متحركة كامل ثلاثى الأبعاد، لا يهم أن يكون فيلماً مدته طويلة أو يحتاج إلى فريق عمل كامل وإنتاج ضخم وممول، وإلى آخر هذه المشاكل العديدة التى تعوق تقدم ونمو فن الرسوم المتحركة فى بلدنا.. شركات إنتاج الرسوم المتحركة فى مصر تشكل 10% من الإنتاج فى مصر والوطن العربى والنسبة الباقية عبارة عن رسوم متحركة أجنبية مترجمة أو مدبلجة غير نابعة من بيئتنا ومجتمعنا وفى النهاية نظل دائما فى حالة استهلاك وغير قادرين على الإنتاج والابتكار، ويظل دائما هذا الفن حكرا على الأجانب أو الشركات الكبرى ذات الميزانيات الضخمة، ولا يستطيع الفرد الموهوب عمل فيلم كارتون كامل حتى ولو كان دقيقة أو دقيقتين»، بهذه المقدمة بدأت الدعاية الإلكترونية للمركز على «فيس بوك»، وقد آتت ثمارها بعدد لا بأس به من المشتركين من الأطفال والكبار.
بدأ عمل استوديو الرسوم المتحركة بخطة مبدئية تجاوزت فكرة تعليم أساسيات الأفلام ثلاثية الأبعاد، للمشاركة فى صنعها، ويؤكد «الأشوح» أن هدفه يتعدى تدريس برامج الكمبيوتر، إلى تنمية الخيال ومهارات الابتكار لدى الأطفال، وكذلك جعلهم جزءاً من إنتاج العمل كمرحلة أولى، تتطور مع الدفعات المتدربة، إلى مرحلة تمكنهم من صناعة الأفلام من الألف إلى الياء.
يعترف «الأشوح» بصعوبة التجربة التى قرر خوضها، بداية من اختيار ذلك المجال، فى مدينة بعيدة عن مركزية المؤسسات الفنية، وصولاً إلى اختيار الأطفال كعنصر أساسى للفكرة، وهى المهمة التى تنطوى على كثير من التحدى، بسبب صغر سن الأطفال، وهو ما يبرره بأن اختياره لهذه المرحلة العمرية تحديداً هو كونها المرحلة المثالية لتنمية قدرات الطفل ومهارات التخيل والإبداع والابتكار لديه، ليتجاوز بذلك دوره فى صناعة أفلام الرسوم المتحركة، ليصل من خلال دوراته إلى هدف آخر، وهو تطوير وتنمية مواهب الطفل، وهو ما يفيده بشكل عام فى جميع مجالات الحياة، كما يراها فئة عمرية مناسبة لأفكار مجتمعنا، الذى يلقى على عاتق الأطفال فى المراحل الأعلى من طلبة الشهادات، مسؤوليات دراسية ثقيلة، يصعب معها توجيههم للتفكير فى تعلم مجالات إضافية.
نظام التعليم فى المدارس والمعاهد، وشكله النمطى القائم على التلقى، من أكثر ما يزعج الأشوح، لذلك يصر على تسمية دوراته بـ«ورش العمل»، للتأكيد على خلوها من الجانب النظرى، وإطلاقها العنان للأطفال للتجربة والخطأ، لاكتشاف مواهبهم، ويقول: «الجديد الذى اعتمدت عليه فى مشروعى هو فكرة ورشة العمل، التى تنتهى بمشروع تخرج بفيلم روائى قصير، يكون نتاج مراحل متعددة، تبدأ بالتأليف وكتابة السيناريو، ومهارات تخيل الشخصيات والرسم، ثم النحت، ثم الأداء الصوتى، تظهر مهارات الطفل فى كل جزئية، ويتحدد له الطريق المناسب لمهارته، والذى يمكن أن يتميز به فى المستقبل».
يستعد الآن بعد أن انتهى من المستوى الأول، مع المجموعات الخمس، للعرض العام للأفلام، الذى حرص أن يتضمن معرضاً خاصاً يشمل مراحل الإعداد والتنفيذ للفيلم، يضع به الرسوم التى صنعها الأطفال على الورق، وأشكال الصلصال وعجينة الورق التى صنعت منها الخلفيات، على أن تكون المرحلة المقبلة من العمل مع الأطفال المتدربين هى الانتقال للمستوى الأعلى، بصناعة الأفلام بشكل كامل، وهى مهمة يراها ممكنة، بعد أن تأهلت لها المجموعة الأولى.
ويستعد أيضاً لاختيار عدد من الأطفال المتميزين فى ورشته، للالتحاق بورش عمل المنظمة الدولية لأفلام الرسوم المتحركة (استيفا)، والتى أصبح واحداً من 32 عضواً بها على مستوى العالم، وتبدأ أول يناير بالإعداد لفيلم روائى مدته 64 دقيقة، ويقوم كل طفل بصنع دقيقتين مع مجموعته ليتم تجميعها فى فيلم واحد يتم عرضه بمختلف دول العالم.
ويعد الإنترنت هو الوسيط الرئيسى الذى يعتمد عليه فى خطته التسويقية لمشروعات التخرج للأطفال، فمن خلاله يحاول الوصول إلى المسؤولين فى القنوات الفضائية العربية المخصصة للأطفال، ولأفلام الكارتون بشكل خاص لتسويق الأفلام للبيع أو للعرض، والاشتراك فى المهرجانات الدولية للرسوم المتحركة، لذلك لا يعتير إقامته فى الإسكندرية عائقاً أمام هدفه، خاصة مع قناعته الخاصة بندرة الفرص بها، لعدم حماس ملاك القنوات الفضائية فى مصر لتلك النوعية من الأفكار، على حد رأيه.
كسر جمود صناعة أفلام الرسوم المتحركة فى مصر، فى وجهة نظره، لن يأتى من خلال الشركات الكبرى والإنتاج الضخم للقنوات الحكومية أو الخاصة، الأمر بالنسبة له أبسط من ذلك، مع ثراء عالم الأفلام ثلاثية الأبعاد، وتنوع استخداماته، حيث يقول الأشوح: «برامج الكمبيوتر يسرت صناعة أفلام الرسوم المتحركة، ولم تعد هناك حاجة لشركات كبيرة وإنتاج ضخم لتنفيذ الفكرة، كل ما نحتاجه هو خيال لتأليف القصة ورسم الشخصيات، وتعلم مهارات صناعة الفيلم من تحريك وتركيب صوت ومونتاج وإخراج، المشكلة لدينا فى مصر أن كل من يرغب فى التعلم يكون غرضه الأساسى هو التأهل لسوق العمل، بينما نجد زيادة فى الاتجاه العالمى لصناعة تلك الأفلام بشكل فردى ومستقل، كثقافة معترف بها.. يقوم آلاف الفنانين بعمل أفلام من منازلهم، يقرر الفنان أن يصنع فيلماً قصيراً، سواء كان موجهاً للأطفال أو للكبار، أو كان فيلماً دعائياً، ويجمع العناصر البشرية اللازمة لتنفيذ المشروع، من أصدقائه أو معارفه، ليصنع الفيلم بشكل مستقل، ويتم عرض تلك الأفلام فى مهرجانات عالمية كبرى وتحصد العديد من الجوائز، كما توجد مهرجانات بعينها تكون مخصصة للأفلام المستقلة ذات الميزانيات الصغيرة».