بما أننا نتنسم روائح شهر رمضان، وكل عام وأنتم بخير، فقد غلب علىّ أن أستحضر وصف «المسحراتى» لأطلقه على الرئيس السيسى، وهو يحاول استنهاض همم المصريين نحو التنمية، ويستنهض همم الفلسطينيين والإسرائيليين نحو السلام.. هى إذن «نوبة صحيان» نحتاجها فى الداخل، وتحتاجها المنطقة العربية أيضاً.. ولا يفعلها غير رجل مثل السيسى، خاصة حين يستشعر أن المنطقة تعيش فوق بركان!
مبادرة رئيس مصر لإتمام عملية السلام كانت محل اهتمام كبير.. رحبت فلسطين بشدة، ورحبت تل أبيب، ووصفتها بأنها «مبادرة أخوية».. السبب أنها صدرت بقناعة رئاسية، ونوايا مصرية طيبة.. الرئيس يقول نحن مستعدون للمساعدة فعلاً.. وبالطريقة التى يعرفها العالم عن «جدية السيسى» كان هناك استبشار بأن القضية فى طريقها للحل.. فقد تجمّدت عملية السلام حين «انشغلت مصر» بقضاياها الداخلية!
لا تنسوا أن هناك مبادرات لم يُكتب لها النجاح بعيداً عن مصر.. سواء كانت أوروبية أو عربية.. فلا يمكن أن تنجح مبادرة لا تؤيدها مصر، ولا تصفق لها وتدعمها.. قيمة مبادرة السيسى أنها بدعم مصرى، ومصر طرف أصيل فى أى تحرك هنا أو هناك.. الحكاية مش حكاية فلوس وإغراءات.. فلا أحد يستطيع أن يلعب دوراً فى المنطقة بالشكل الذى تصوره فى غياب دور مصرى حقيقى بكل ما تحمله الكلمة من معنى!
لكن يبقى أن نقول هناك دلالات داخلية على إطلاق مصر لهذه المبادرة.. منها أن مصر «فاااقت» ونفضت عن نفسها الغبار ورتبت البيت، وبدأت تتحرك لتقوم بمهامها وأدوارها فى المنطقة، وفى القلب منها عملية السلام.. وقد وصف البعض هذه المبادرة بأنها تشبه زيارة السادات للقدس، وهو أمر مبالغ فيه.. لكنه يعكس إلى أى مدى كانت قيمة المبادرة.. وإلى أى مدى كان تأثيرها، بعد حالة موات امتدت لسنوات!
المفاجأة الحقيقية كانت فى رد فعل تل أبيب، وفى تصريحات نتنياهو شخصياً، فقد قال: «أقدّر مجهود الرئيس السيسى، وأستمد تشجيعاً من الزعامة التى يبديها فى هذه المسألة الهامة أيضا».. معناه أن المبادرة غير متوقعة، وأن رد الفعل نفسه مثير للانتباه.. فهل نستثمر اللحظة أم نضيعها 60 عاماً أخرى؟.. هل ندخل فى خلافات فلسطينية داخلية أم نوحّد الصف؟.. هل ننظر تحت أقدامنا، كما حدث أيام «السادات»؟!
التوقيت أيضاً له دلالته.. فقد أنهى السيسى افتتاح مشروعات تنموية مهمة، شملت مشروعات إسكان وطرق وكهرباء.. وخاض حرباً ضروساً فى مواجهة الإرهاب على حدود إسرائيل، وتحركت الآليات العسكرية فى مناطق لم يكن لها أن تدخل فيها أبداً.. وهذه هى النقطة الأهم.. وهو ما يؤكد أن مصر تعافت وهى تمدّ يدها بالسلام.. هذه هى النقطة التى انتبهت لها تل أبيب، وأخشى بالفعل ألا تنتبه لها حماس ورام الله!
هىّ دى مصر يا قطر.. مصر حين توعكت توعكت المنطقة، وحين أصيبت بالأنفلونزا عطس العالم.. فلما تعافت و«فاااقت» تحركت المياه الراكدة.. مبادرة السيسى «نوبة صحيان» لا تقل أبداً عن مبادرة السادات زمان.. فهل يستمع الطرفان إلى «المسحراتى» أم يغطّون فى النوم حتى مطلع الفجر؟!