(كلنا نحب (كان) و(كان) بيحب مين)، مأخوذة ببعض تصرف من أغنية عبدالوهاب القديمة (كلنا نحب القمر والقمر بيحب مين)، الحب من طرف واحد أقسى وأشقى أنواع الحب.. حيث يسهر الحبيب يعد النجوم ويكابد اللوعة والسهاد بينما المحبوب لا يشعر به وربما أيضاً مشغول بحبيب آخر.
هذا هو بالضبط حال السينما العربية مع مهرجان «كان»، محاولات لا تنقطع تطلب ود ووصال المهرجان، بينما المهرجان لا حس ولا خبر ولا فيلم ولا ندوة، لنا تواجد مكثف بالأجنحة العربية المنتشرة على شاطئ (الريفييرا) وما أدراك ما (الريفييرا) يقابله انحسار مخجل على شاشات المهرجان الرسمية وما أدراك ما الشاشات!!
ربما فى هذه الدورة نشعر بقليل من النور حيث لنا فى قسم (نظرة ما) فيلم (اشتباك) المصرى وفى مسابقة الفيلم القصير التونسى (صوف على الظهر) وفى أسبوع النقاد فيلم (الربيع) اللبنانى وفى قسم الكلاسيكيات يُعرض ليوسف شاهين (وداعا بونابرت)، الحصيلة كما ترى قليلة خاصة عندما نقارن مثلا الدول العربية وعددها 22 بينها 10 دول لديها سينما ولا أقول صناعة سينمائية لأن صفة صناعة لا تنطبق سوى على مصر والمملكة المغربية فقط لا غير، لو قارنت ذلك مع دولة مثل إيران أو إسرائيل ستكتشف أننا بعيدون تماما عن مجرد المنافسة.
لا يمكن أن تضع بين المشاركات الرسمية مثلا تلك الحالة الصاخبة التى عايشناها جميعا منذ مطلع الالفية الثالثة مع بدايات شركة (جوود نيوز) عندما كان يتم تأجير سلم قاعة لوميير لحسابها لمدة ساعة حيث يتم تصوير أبطال أفلام صعودا على درجات السلم بالسجادة الحمراء المترامية الأطراف، مثل (حليم) و(يعقوبيان) و(إبراهيم الأبيض) وصولا إلى (ليلة البى بى دوول) الذى أطاح بميزانية الشركة حيث تم وقتها استئجار طائرة خاصة لنقل صحفيين وإعلاميين مصريين وعرب إلى (كان) لضمان دعاية ضخمة للفيلم، وعلى شارع الكروازيت الموازى للشاطئ انتشرت أفيشات الفيلم وعلى أغلفة المجلات العالمية التى كانت تصاحب المهرجان ليصبح حدث عرض الفيلم فى السوق هو الأبرز والأهم فى هذا المهرجان العالمى، وبرغم كل ذلك إلا أن الفيلم لاقى عند عرضه فشلا ذريعا وسقوطا مدويا أدى بعدها لتعثر الشركة ومن ثم توقفها تماما عن الإنتاج، وهى كما ترى شعبطة فى جلباب (كان) مدفوعة الأجر على حساب صاحب المحل.
ولكننا كنا نتواجد فى (كان) مثلا من خلال أفلام شادى عبدالسلام أكثر من مرة أهمها بالطبع فى 2009 بقسم أفلام العالم برائعته (المومياء) وتم توجيه تحية لمخرجنا الكبير من خلال المؤسسة التى يشرف عليها المخرج العالمى مارتن سكورسيزى والذى اعتبر أن شادى هو المؤصل للسينما المصرية، يقصد صاحب الأبجدية للسينما المصرية، كما عُرض له بعدها فيلماه التسجيليان (جيوش الشمس) و(الفلاح الفصيح) وهكذا كثيرا ما كان ينقذنا الماضى من الحاضر المجدب.
دعونا نقلب صفحات تاريخنا مع مهرجان «كان» لنكتشف أننا كنا أصحاب باع طويل كانت البداية مع أول مرة أقيم فيها المهرجان عام 1946 حيث اشتركنا بفيلم «دنيا» إخراج محمد كريم وبطولة فاتن حمامة وراقية إبراهيم ومحمد سالم وكان يوسف وهبى عضو لجنة تحكيم المهرجان.. ولكن ليس لنا نصيب يذكر فى الجوائز باستثناء يوسف شاهين الذى حصل عام 1997 – فى اليوبيل الذهبى للمهرجان – بمناسبة مرور 50 عاماً على إنشائه – على جائزة عن مجمل أفلامه وكانت ترأس لجنة التحكيم الفنانة «إيزابيل إدجانى»!
وكان يوسف شاهين قد شارك فى تلك الدورة داخل المسابقة الرسمية بفيلم «المصير» ثم اشتركت عام 2004 المخرجة التسجيلية تهانى راشد بفيلم (البنات دول) وهاجمها عدد من الأفلام التى لديها قصور فى الفكر بحجة الإساءة لمصر فى الخارج، وبعد ثورة 25 يناير 2011 شاركنا بفيلم (18 يوم) وكأنها تحية توجه لمصر وثورتها من كان وفى قسم (البلاج) عُرض (صرخة نملة) ثم اشتراك فيلم (بعد الموقعة) 2012 ليسرى نصر الله، وقبلها ليسرى فى الحقيقة العديد من المشاركات مثل أول أفلامه (سرقات صيفية) فى قسم (أسبوعى المخرجين)، (باب الشمس) عرض رسميا ولكن خارج التسابق، آخر تواجد ليوسف شاهين أيضاً فى الدورة التى أقيمت عام 2004 وتحمل رقم 57 من خلال فيلم «إسكندرية نيويورك» حيث عرض فى ختام قسم (نظرة ما)، وفى عام 1999 افتتح هذا القسم فعالياته أيضاً بفيلم يوسف شاهين «الآخر»، وسوف نجد أن يوسف شاهين هو صاحب أكبر رصيد ليس فقط على مستوى السينما المصرية أو العربية ولكن العالم كله فى عدد المشاركات حيث بدأت رحلته مع المهرجان بفيلم «ابن النيل» عام 1952 ثم «صراع فى الوادي» 1954 ثم «الأرض» 1970 وكل هذه الأفلام داخل المسابقة الرسمية ثم شارك بـ «العصفور» عام 1974 فى قسم أسبوعى المخرجين ثم يغيب عشر سنوات ليعود عام 1985 بفيلم «وداعاً بونابرت» ليعرض فى المسابقة الرسمية ثم عام 1990 «إسكندرية كمان وكمان» فى أسبوعى المخرجين وفى العام التالى 1991 يشارك أيضاً فى قسم (أسبوعى المخرجين) بفيلم «القاهرة منورة بأهلها» ويتهم وقتها يوسف شاهين بعد أن عرض الفيلم بإهانة مصر وكشف عوراتها أمام الأجانب ويتصدى يوسف شاهين لتلك الحملة التى أراد صانعوها أن يسقطوا عنه الجنسية المصرية وتقديمه لأمن الدولة وكنت مسئولاً فى تلك السنوات عن النشاط السينمائى فى نقابة الصحفيين وعرضت الفيلم مرتين فى نادى النقابة وأقمت ندوة ليوسف شاهين دافعنا عن حقه فى التعبير، وأصدرت اللجنة الثقافية التى كان يرأسها الزميل الكاتب الصحفى الراحل مجدى مهنا بياناً وقفت فيه إلى جانب الحرية، وهكذا كان ليوسف شاهين حضوره الدائم، حيث يعتبر أحد النجوم فى «كان» وتجد صورة له ليس فقط فى مقر المهرجان ولكن حتى فى شركة الطيران الفرنسية فى «كان».. ورغم ذلك فلقد كانت لنا مشاركات منذ نهاية الأربعينيات وحتى منتصف الثمانينيات بأفلام ليست من إخراج يوسف شاهين أتذكر منها «شباب امرأة» لصلاح أبو سيف.. وحرصت تحية كاريوكا على أن ترتدى الجلباب الذى شكل طابعاً مميزاً لشخصية (شفاعات) فى (شباب امرأة)، ولم تكن هذه هى الوحيدة للمخرج صلاح أبو سيف حيث إنه تواجد أيضاً بفيلميه «مغامرات عنتر وعبلة» ثم «الوحش».
والمخرج أحمد بدرخان بفيلم «ليلة غرام» بطولة مريم فخر الدين، والمخرج كمال الشيخ كانت له ثلاث مشاركات «حياة وموت» 1955 ثم «الليلة الأخيرة» عام 1964 ثم اشترك بفيلم قصير اسمه «لغة الأيدى» وهو من المرات القليلة التى أخرج فيها الشيخ أفلاماً قصيرة!!
فى الثمانينيات عاطف الطيب عام 1985 بفيلم «الحب فوق هضبة الهرم» فى قسم (أسبوعى المخرجين) وحرص يوسف شاهين والذى كان يعرض له فى نفس الوقت وفى المسابقة الرسمية فيلمه «وداعاً بونابرت» حرص على أن يحضر ليلة عرض فيلم عاطف الطيب الذى كان أحد تلاميذه.. وفى عام 1987 عرض المخرج محمد خان فى قسم خاص «عودة مواطن».
ومن الواضح أن المشاركات تكاد تقتصر على يوسف شاهين باستثناءات قليلة فهو الوحيد الذى يعرف بالضبط شفرة المهرجان وليس معنى ذلك أن السينما المصرية لم تحاول أن تجد لنفسها مكاناً خارج يوسف شاهين حاولنا ورفضت أفلامنا تباعاً.
وبالطبع هناك بالتأكيد محاولات أخرى غير معلنة لكنها لم تصل بنا إلى شاطئ الريفييرا حيث ترفض إدارة المهرجان لكنها لا تُعلن عن ذلك، ويبقى أن تواجد دول مثل المغرب وتونس والجزائر ولبنان وفلسطين له ثقله الأكبر وأن أكبر جائزة حصل عليها مخرج عربى كانت من نصيب «محمدالأخضر حامينا» الجزائرى الذى أخذ الكاميرا الذهبية عام 1967 وهى جائزة للعمل الأول عن فيلمه «ريح الأوراس» ثم فى عام 1975 حصل على أكبر جائزة يرصدها المهرجان وهى السعفة الذهبية عن فيلمه «وقائع لسنوات الجمر» وللجزائر العديد من المحاولات مثل (البلديون) لرشيد بو شارب الحاصل على جائزة جماعية لأبطاله الأربعة وهى جائزة أفضل ممثل، كما أن الجزائرى مرزاق علواش له أكثر من فيلم مثل (سلام يا ابن العم)، وسبق للمخرج اللبنانى الراحل مارون بغدادى أن حصل فيلمه «خارج الحياة» على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عام 1991 والمخرجة اللبنانية نادين لبكى شاركت مرتين واحدة فى أسبوعى المخرجين بفيلم (كراميل) والأخرى فى (نظرة ما) بفيلم (هلأ لوين) والمخرجة اللبنانية دانيال عربيد (معارك صغيرة) وفلسطين حصلت على جائزة التحكيم الخاصة للمخرج الفلسطينى إيليا سليمان عام 2003 عن فيلمه «يد إلهية»!!
فلسطين لها أيضاً مكانة فى المهرجان قبل إيليا سليمان من خلال ميشيل حليفى بفيلمه «نشيد الحجر» عام 1990 ورشيد المشهراوى بفيلمه الروائى الأول «حتى إشعار آخر» عام 1994 ثم بعد عامين شارك بفيلمه «حيفا».. والمخرج هانى أبو أسعد قبل ثلاثة أعوام بفيلمه (عُمر) وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة فى قسم (نظرة ما) تونس لها رصيد ضخم مع المخرجين «نورى بو زيد» بأفلامه الثلاثة «ريح السد» و«صفائح من ذهب» و«بيزنس» والمخرجة مفيدة التلاتيلى عام 1994 شاركت بفيلمها الأول «صمت القصور» الذى لعبت بطولته هند صبرى وكانت لا تزال طفلة وسبق لفريد بوغدير أن شارك بفيلمه «الحلفاويين» أما سوريا أسامة محمد بفيلمه «صندوق الدنيا»، ووقبل عامين (ماء الفضة) بمشاركة وئام بدرخان، والمغرب مثل نبيل عيوش (خيل الله) فى (نظرة ما ثم العام الماضى) (الزين اللى فيك) فى (أسبوعى المخرجين) حيث طالبوا أيضا فى المغرب بإسقاط الجنسية عنه بالتهمة الجاهزة الإساءة لسمعة البلد!!
(كل العرب يحبون كان وكان بيحب مين)؟!!
(خارج النص)
■ أعلن إبراهيم لٌطيف مدير مهرجان قرطاج من جناح تونس فى مهرجان (كان) عن احتفالية ضخمة باليوبيل الذهبى لقرطاج (50) عاما على إنشائه، فهو أقدم مهرجان عربى، وسوف تعقد أكثر من ندوة لتلك المناسبة التى تبدأ 24 أكتوبر، وهناك كما قال لى مدير المهرجان تكريم خاص للسينما المصرية.
■ مخرج (اشتباك) محمد دياب أكد لى أنه من المستحيل أن يكون معز مسعود قد طالب بخروج آمن لمحمد مرسى بينما هو كان من أكثر الأصوات التى أيدت 30 يونيو وبضرورة إزاحة الإخوان عن الحكم، ويحسبه الإخوان من جبهة الأعداء المطلوبين.
■ شاهدت 20 دقيقية من عدد من الأفلام الجديدة خلال عرض نظمه مهرجان (دبى)، بينها فيلما يسرى نصرالله (الماء والخضرة والوحه الحسن) وأحمد فوزى صالح (الأسماك تموت مرتين)، من الصعب بل المستحيل الحكم على فيلم طويل من تلك الدقائق ولكن ما شاهدته فى فيلم نصرالله كان مبهجا ومشجعا على الاستمرار، بينما صالح فوزى يقدم أجرأ فيلم تسجيلى مصرى، لاثنين هاربين من أحكام الإعدام فى أحداث نادى الأهلى والمصرى ببورسعيد!!