من أهم مزايا «كبار السن» أنهم يحسنون المقارنة بين ما عاشوه من أيام طفولتهم وما يعانون منه فى سنواتهم الحالية.. ومن ذلك اختفاء أشياء وظهور أشياء أخرى.. ولذلك- كلهم- يحنون إلى الماضى، عندما كانت تدغدغ حواسهم حتة «كراملة حمراء» أو شوية «براغيت الست».. مهما قالوا «وعادوا» عن مزايا تطوير الزراعة.. وتحسين الإنتاج، ولكن تظل ذكريات الماضى هى أحلى ما فى حياة العواجيز!!
ولقد عشت عصراً كنا نحتفل فيه بموسم جمع القطن، الذى أطلقنا عليه اسم «الذهب الأبيض» تتويجاً له.. أمام الذهب الأسود أى البترول.. والذهب الأصفر الرنان.. وحالياً: الذهب الأخضر الذى يتحول عند تمام النضج إلى ذهب أصفر، أيضاً، ونقصد به القمح، وهذا القطن - من عشقنا له - انتخبنا له ملكة القطن، واحتلت صورتها أغلفة المجلات منذ الأربعينيات والخمسينيات.. إلى أن شاخت الملكة.. ومات القطن زراعة وحلجاً وعصراً للبذرة، ثم غزلاً.. ونسيجاً.. وصباغة وتجهيزاً.. فضلاً عن الحياة فى بورصة القطن.. الآن مصر تستورد القطن الأمريكى متوسط التيلة، «البيما» الأمريكى.. والهندى قصير التيلة رخيص الثمن.. وأغلقنا معظم هذه المراحل.. حتى المصانع.. وشردنا أكثر من ثلث عمال مصر الذين كانوا يعملون فيها!!
وزراعة الكتان.. الذى كان الفراعنة هم أول من اكتشفه لقدرته على امتصاص العرق.. وقدرته على تكييف الجسد.. فى الحياة.. وعند الممات.. إذ صنع منه الفراعنة لفائف من نسيج الكتان التى تلف الجسد.. بعد تحنيطه.. وصنع منه المصريون أفضل الملابس القادرة على مقاومة الحر حتى سنوات قليلة ماضية، وكان جمال عبدالناصر أول من ارتدى البدل الصيفى «السفارى» من الكتان، بينما كنا نصدر ألياف الكتان إلى أيرلندا ليصنعوا منه أقمشة كتانية رقيقة لصنع القمصان وأيضاً الجلاليب، أما الكتان الثقيل نوعاً فكان لصنع بدل الكتان، وكذلك صنعنا للسيدات تاييرات من الكتان وبلوزات، وكان أفضلها ما يصنع فى سويسرا، وفى مصر صنعنا الأفضل وهو نوع من اللينوه الكتانى فى مصانع الشوربجى ومصانع اللوزى.. وستيا، وبالذات فى أخميم، مع الحرير الطبيعى هناك.
وانتهت من حياتنا منتجات زراعية مثل الفراولة البلدى الصغيرة.. والشمام القديم، والشهد، وكيزان العسل.. ونكتفى هذه الأيام بالكنتالوب أو الأناناس، كما يطلق عليه العامة الآن.