خلص الكاتب المصري سامح كريم، في كتابه «الجديد في الشعر الجاهلي.. درة طه حسين الناصعة»، الذي يقدم فيه دراسة وتحليلاً لكتاب عميد الأدب العربي بعد 37 عاماً من رحيله ، إلى أن الحقائق القديمة لازالت صالحة لإثارة الدهشة.
الكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية في 420 صفحة من القطع الكبير، ينقسم إلى قسمين كبيرين يضم الأول التقديم والدراسة والتحليل، ويضم الثاني مجموعة من الوثائق بينها نص كتاب «في الشعر الجاهلي» ونص مقال «نشأة الشعر الجاهلي» للمستشرق الانجليزي «صامويل مرجليوث».
كما يضم الكتاب نصاً ثالثاً كتبه «مرجليوث» بعد تقديم طه حسين للمحاكمة بسبب الكتاب، ويبرئه فيه من تهمة النقل وهو مقال ينفرد به الكتاب بعد أن أمعنت أقلام كثيرة في تجريح طه حسين (1889 1973) والطعن في معتقداته وهي اتهامات لا تزال تثار حتى الآن.
ويعد الجزء الأول من الكتاب والخاص بالتقديم والدراسة والتحليل، إضافة إلى حقل الدراسات الأدبية وهو جزء كبير يقع في 200 صفحة وقف أمام كل التفاصيل التي أثيرت حول الكتاب وصاحبه وينقسم إلى ثلاثة أبواب أولها الشك في صحة الشعر الجاهلي ودوافعه والشك في شعر شعراء الجاهلية والباب الثاني حول نقد المفكرين والعلماء والنقاد للكتاب والثالث يتناول تطورات البحث في قضية «في الشعر الجاهلي» ونتائجها.
ويربط المؤلف سامح كريم بين كتاب «في الشعر الجاهلي» وبين دعوة طه حسين إلى الإصلاح باعتبارهما جناحين متلازمين لدى حسين وبعض معاصريه ممن كانوا يرون أن التعبير الأدبي، نثراً كان أو شعراً، مرآة للحياة التي يعيشون فيها وأنه ينبغي أن تناقش جوانب هذه الحياة سواء العقلية أو الدينية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية.
ويؤكد الكتاب أن عميد الأدب العربي كان حاسماً في ضرورة ألا ينبغي أن نطمئن إلى ما قاله السابقون ونأخذه دون بحث أو تمحيص بل يجب أن نناقشه ونشك فيه شكا علميا دقيقا باعتبار أن الركون إلى المتاح دون مناقشته يؤدي إلى الجمود والتحلل وهي الآفة التي ظل يقاومها فكراً وعملاً.
ويرى الكاتب أن الحياة الثقافية انقسمت منذ صدور كتاب «في الشعر الجاهلي» لطه حسين إلى فريقين يمثل حسين الأول منهما وهو تيار الإصلاح والتجديد والدعوة إلى التقدم والآخر يمثل تقديس التراث وكان رائده محمود محمد شاكر الذي رد على طه حسين كثيراً، وهما تياران ما زالا يحكمان حياتنا إلى الآن في الأدب كما في الدين والسياسة والمجتمع.
ويضم القسم الثاني من الكتاب ثلاثة أجزاء أولها نص كتاب «في الشعر الجاهلي» ثم مقال «مرجليوث» في نشأة الشعر العربي والذي اتهم البعض طه حسين بأنه تأثر به في دراسة الشعر العربي ونقل عنه في محاولة لاعتباره مشايعاً للباحثين الغربيين ولإلقاء الشك حول الحقائق الأدبية والاجتماعية التي توصل إليها في كتابه كما يضم مقالا يظهر كيف رأى «مرجليوث» أزمة طه حسين في وطنه وهو مقال يبرئ فيه حسين من تهمة التأثر أو السرقة.
ويستخلص الكتاب من مقال «مرجليوث» الأخير حقيقتين ، الأولى أن العملين كليهما نشرا في وقت واحد تقريباً وأن كلا من الكاتبين توصل إلى آرائه مستقلاً تماماً عن الآخر.
أما الحقيقة الثانية فهي تأكيد أن آراء «مرجليوث» في الشعر تناقض آراء طه حسين ، فمرجليوث ينكر أن يكون الجاهليون قد عرفوا نظم الشعر وأن ما وصل إلينا من صنع شعراء المسلمين الذين احتذوا لغة القرآن في حين يذهب طه حسين إلى الثقة في وجود شعر جاهلي ولكنه يشكك في صحة كثير من نصوصه التي وصلت إلينا.