فى حب الحياة

أيمن الجندي الثلاثاء 17-05-2016 21:30

عشت طيلة عمرى أتأرجح بين الحماسة الشديدة والشغف بالحياة الذى سرعان ما يتحول إلى يأس مطبق وإحباط مرير. بالضبط مثل شخصية «بطوط».

■ ■ ■

أحب الحياة بعمق وشغف. وأؤمن بأنها كالصدفة مازالت تخبئ فى أعماقها اللآلئ. كل ما علىَّ أن أملك شجاعتى، وأحبس أنفاسى، وأغوص مؤمنا بأن أقدارى ستوجهنى إلى الصدفة الحبلى باللآلئ من بين آلاف الأصداف الفارغة الأخرى.

فى داخلى حماسة وفى أوصالى دماء ساخنة. ولدى عشرات المشاريع المفرحة الحماسية. خدش الزمن جسدى ولم يخدش طفولتى. مازلت أتدحرج كالطفل إذا ذهبت لكارفور باحثاً عن آخر موديلات الدراجات. رجل فى عمرى تثير الدراجة خياله كما لا تفعل أغلى السيارات، ماذا يكون سوى بطوط كبير؟.

رجل يعشق الوصفات الجديدة، ويحب أن يرتدى قبعة الطاهى وهو يطهو الطعام، ويشهق عند وضع الملوخية. ويبهدل المطبخ حين تتراكم الأوانى المتسخة فتملأ الحوض، متحمساً لصنع وصفته الجديدة التى غالبا ما تفشل، ماذا يكون غير (بطوط)؟.

أتوقع الفوز فى المسابقات برغم أننى لا أكسب أبداً. وأدخل فى عشرات المشاريع الفاشلة. وأحلم بأننى سأصبح أغنى رجل فى العالم. وأخسر! كل مرة أخسر! وتتدلى يداى بجوارى فى إحباط شديد بعد الحماسة الغامرة. ثم سرعان ما أنسى خيبة الأمل وأنخرط فى مغامرة جديدة، وأشعر بالحماس الشديد، وهكذا دواليك.

أحلم كل مساء بأشياء كثيرة كلها صبيانية. قبيل نومى أنخرط فى أحلام اليقظة. وأتقلد عشرات الأدوار البطولية. أحلم بأننى أكتشف جزيرة مجهولة لا يعرف سكانها البدائيون قيمة الذهب والألماس. وأحيانا أكتشف محركا يعمل بالماء، وربما بالهواء. وأصل إلى الخيمياء التى تحول النحاس إلى ذهب. بطوط جداً.

وكثيراً ما انخرطت فى أحلام اليقظة فأخترع أهم شىء فى العالم. ربما أتوصل إلى وقود سحرى يجعل السيارات فى سرعة الطائرات. لكن مغامراتى تنتهى بأن أغادر الكوكب الأرضى، وربما المجرة بأسرها. وسألتقى بالفضائيين الذى يأكلون النقود ويصابون بعسر هضم إذا تناولوا الطعام العادى. بالتأكيد سيأكل الفضائيون النقود القليلة التى أحملها فى جيبى وأعود مفلسا كما كنت أول مرة.

جميع مغامراتى تنتهى بى مُدلى اليدين إلى جوارى من فرط اليأس. كل مشاريعى فاشلة. لم أدخل البورصة يوما إلا وتحطمت. البورصات العالمية والمحلية تتهاوى على الفور وتتوالى الكوارث الجسام. فلو كانوا يتمتعون بالخيال لجاءنى أحد مستثمرى البورصة الكبار وهو يكاد يموت من الهلع، ليجثو على ركبتيه متوسلا أن أعود أدراجى ولا أدخل فى البورصة. فكرة جميلة حقا فاتتهم كتابتها. وتنتهى المفاوضة بمبلغ دسم بارز فى جيبى وقد انصرفت عن البورصة سعيدا.

■ ■ ■

أحيانا أفكر: أما آن الآوان كى أصبح (محظوظاً) الذى تلقى الريح فى وجهه بأوراق اليانصيب الفائزة. صحيح أن محظوظ شخصية أحادية غير مركبة مثل شخصية بطوط، لكنه يحصل على كل شىء بسهولة. صحيح أنه كسول وأنانى ولكنه يأكل مجانا. يلبس مجانا. ويسافر مجانا. ولا يعمل أبدا. حياته كلها عبارة عن سلسلة لا نهائية من الحظ المواتى، فهل حقا محظوظ أسعد من بطوط؟

بأمانة لا أدرى. لكن تجربة الحظ المواتى هو تجربة شائقة أيضاً. هؤلاء الذين اصطفتهم الأقدار بتعويذتهم السحرية. يا رب اجعلنى محظوظا لفترة ما، وبعدها سأقرر إن كنت سأظل محظوظاً أو سأعود بطوطاً. أغلب الظن أننى سأحن إلى بطوطتى لأعانق الحياة عناقاً راغباً.

■ ■ ■

آه أيتها الحياة ليتك تحبيننى كما أحبك!.