خالد البلشي.. لست وحدك

أحمد الدريني الثلاثاء 17-05-2016 21:32

يلاحقون خالد البلشي بالاتهامات، ويعيدون تصدير صورته وتلفيق الحكايا المكذوبة حوله، فهو مخرب مندس من الذين «يسيئون لسمعة مصر»، ولديهم «أجندة» ما. لمجرد أنه رجلٌ يتابع دوره النقابي الافتراضي في متابعة المظلومين والمنتهكة حقوقهم من الصحفيين على أعتاب وزارة الداخلية!.

فكيف يتجرأ رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين بالحديث عن «حريات» الصحفيين؟ كيف يعن له أن يتابع صحفيًا محتجزًا هنا وصحفيًا معتدىً عليه هناك؟ كيف يصدر بيانًا عن زميل ضربوه وآخر كسروا كاميرته وثالثًا في غياهب الجب بلا محاسبة؟

الأمر شديد البؤس، فالمعايرةُ بما هي شرف في حد ذاته، إخلالٌ بالموازين والمعايير، اجتثاثٌ للمنطق من جذوره، إفسادٌ في الأرض وتلبيس للحق بالباطل.

يقولون إن خالدًا أساء لسمعة مصر، حين قام بواجبه في متابعة أحوال الصحفيين المحبوسين زورًا والمعتدى عليهم بهتانًا وظلمًا، وكأنه هو المعتدي بعصاه الغليظة وسجنه البغيض.

العزاء أن من الوجوه الشتامة الأكالين على كل الموائد، من طاولة صدام في بغداد لطبلية القذافي في طرابلس.

ومنطوق بطن أكل سحتًا مردود.

اترك صحفييك الذين سُتسأل عنهم يوم القيامة، وادفن ضميرك حيث لا يراه أحد، وتحدث عن حروب الجيل الرابع والخامس والتاسع التي تحاصر مصر.

يخلُ لك وجه الرجل الكبير.

أي رجل؟

كل رجل كبير في كل مؤسسة (ذات طبيعة خاصة).

(2)

أحد عشر عامًا كاملةً جربت فيها خالدًا في كل المواضع، زميلًا ورئيسًا في العمل وأستاذًا في المهنة ورفيقًا في نزهة وشريكًا في «أكلة»، وسندًا في الملمات وأخًا في عموم إنسانيته، لا منقوص الرأفة ولا معلول النية، خالصًا من شوائب خالطت قلوبًا وأفئدةً فهي كالحجارة أو أشد قسوة.

في المهنة صحفيٌ مدقق ورئيس تحرير دؤوب، ومايسترو يدرك كيف يتناغم الخبر والتقرير والتحقيق والمقال وكيف ينسج مادته الصحفية بحرفية لم تتأت لكثيرين من أبناء جيله، الذين شغلت بعضهم مشاوير لاظوغلي عن تعلم المهنة.

عافاه الله من الضغينة التي يكنها «الأنصاف» للموهوبين، والموهوبون للموهبين، فهو يبحث طوال الوقت عن الموهوبين واحدًا واحدًا، يعتني بهم ويعلمهم ويطورهم، إيمانًا بالمهنة التي تسلمها أجيال لأجيال، أمانةً في الأعناق.

لم أر الغيرة تخالطه من رئيس أو مرؤوس أو زميل، لم أر يومًا حسابات ضيقة تجعله يفكر مرتين في أن يقدم هذا الصحفي كنجم أو هذه الصحفية كمشروع واعد.

رجل لايغار من النجوم ولا يراها تخصم منه شيئًا، فيه عطفٌ ونقاءٌ، فيرى الجميل جميلا.

والشهادة في هذا الرجل مجروحة، لولا تواترها وسط جيل كامل يحمل له جميًلا لا تسقطه غوائل الدهر.

ففي شيوعها ما ينفي عن شهادة المحب، «شخصنة» المسألة، أو محاباة الصديق.

أحب خالد الذين أحبوه، صحفيين شبابًا، يلهثون وراء مهنتهم في وقت يضيعها فيها أكابر مجرميها ويهدرونها على أبواب «الأجهزة» و«مكاتبها»، وعلى أعتاب السفارات وصرر دنانيرها السخية.

لكن الذي يملك القيد والسجن أنى له أن يفهم الأرواح الحرة فيم حلقت وكيف تآلفت وعلام اجتمعت؟

(3)

العقلاء في دوائر الحكم..

الأزمة ليست شخصية، لا تتركوا خيالاتكم ووساوسكم تسول لكم أن إخراس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين أو إخراس وكيلها هو الحل الوحيد والأخير.

أزمتكم ليست مع شخوص، وأزمة الأشخاص ليست معكم في ذواتكم، بل في منظومة التفكير والعمل.

المصلحة الوطنية ليست في قمع رجل يتحدث عن القمع، ليتولى غيره (من الخارج) مسؤولية توثيق انتهاكاتكم السخية، فيكون الأمر على غير صفته، تهويلًا وزيادة.

المصلحة الوطنية في وجود من يمكنكم أن تتحاورا معه ويتحاور معكم.

السياسة هي فن الممكن.. فن الشد والجذب، لا فن التركيع والإخضاع.

الأمر ليس حربًا، بل مفاوضات وموائمات. الأمر توافق وتفاهم ونزول مشترك على الرغبات والمطالب، وليس هزيمة نكراء تلحق بأحد الطرفين فتمحقه ما بقي من العمر.

ونحن نحدثكم بلغتكم، لأن لغتنا (بتاعة الحرية وحقوق الإنسان) لا تساوي في نفوسكم حفنة تراب.

فهل تتجاوب فيكم بواقي الإنساني مع بواقي المنطق؟

(4)

ما نقوله لك زميلنا العزيز، أنك لست وحدك، خلفك عشرات وعشراتٌ ممن لم يشذبوا أحلامهم في «مكاتبهم» ولم يكسروا نفوسهم يوم كسر النفوس.

نحبك في المهنة والإنسانية وندرك أنك تدرك أننا أول من يقف في وجهك لو حدت عن الحق قيد أنملة، حق الوطن أو حق المهنة.

وندرك أن يد البغي مبتورةٌ بسيف الحق، وهو سيفٌ إذ يُسل من غمده فهو مسلولٌ من فوق سماوات سبع، فوقهن من لا يغفل ولا ينام.

وآخر أمانينا أن يفهموا، فيرتاح الجميع!