لم أعد أتلقى ردوداً رسمية على أى شىء، فى الفترة الماضية، شأن كثير من الكتّاب.. تفسيره واضح.. الصحف تكتب والحكومة طنااااش.. عندما كتبت عن تفشى ظاهرة الغش وتسرب الامتحانات لم ترد الوزارة، ولو حتى باستغلال المساحة لطمأنة الرأى العام، ولم تبادر بأنها اتخذت إجراءات من أى نوع لتلافى الكارثة.. ولم تقل إن توزيع نموذج الإجابة محل تحقيق أو إحالة إلى النائب العام.. فلا شىء قد حدث!
المفاجأة أننى تلقيت تعليقاً على مقال أمس، زاد الطين بلّة.. صاحب الرسالة هو صديقى الدكتور محمد شتا، ماكينة الذكريات والأفكار.. يقول فيها: «الفضيحة ياصديقى أن يكشف الله ستر موضوع مخجل، ويخرجه إلى حيز العلن، أما إذا كان معلوماً بالضرورة للجميع، فلم يعد بسر، وكشفه ليس بفضيحة.. الغش فى المدارس والجامعات أصبح من المسلمات فى البيت والمدرسة والجامعة، لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً!
للأسف، الإدارة تتعامل معه كواقع.. صحيح هذا الأمر ليس على إطلاقه، ولكنه أصبح واقعاً فى حياتنا، وليس من الآن بل من عشرات السنين، واسمح لى ان أذكر واقعتين حدثتا معى شخصياً.. الأولى عام١٩٨٣ وكنت أعمل رئيساً لإحدى المدن وأثناء تفقد لجان امتحانات الثانوية العامة، ترامى الى سمعى صوت ميكروفون، كان يزداد وضوحاً كلما اقتربت المدرسة، كان المتحدث يقرأ السؤال، ثم يبدأ فى الإجابة عنه!
هل تصدق أنه كان يفعل ذلك برعاية من «حراس القانون»؟.. أى ضابط المباحث ووكيل النيابة.. والمصيبة أن خطيبتى وكيل النيابة والضابط كانتا من ضمن الممتحنين!.. الخلاصة أن المجتمع متوافق على مشروعية الغش، ويتم الترويج للرشوة فى المسجد، وتحت سمع وبصر الإمام، والذى قد يكون له ابن أو ابنة، بين الممتحنين أيضاً!
وتكتمل فصول المأساة عندما أخبرنى أحد المرافقين أن الحاج (فلان) عقب صلاة الجمعة وقف فى المسجد الكبير، ليخبر المصلين بأن كل ما أمكن جمعه للصرف على لجنة الامتحانات 2000 جنيه، ونحن نحتاج إلى عشرة آلاف على الأقل، ولم يعد هناك وقت، لأن الامتحانات سوف تبدأ غداً، ومن الضرورى سرعة جمع المبلغ المطلوب للأهمية القصوى!
أما القصة الثانية، فقد حدثت منذ حوالى خمسة عشر عاماً تقريباً.. كنت أحاضر فى إحدى الجامعات الخاصة لطلبة الماجستير، وكانت الدراسة تتم بنظام الساعات المعتمدة، مما يستوجب عقد امتحان دورى كل أسبوعين تقريباً، على ما أذكر، وفى أول امتحان رأيت أن الغش متعارف عليه، ومسكوت عنه، ومرحب به، وحدثت مشكلة كبيرة عندما ألغيت امتحان عدد من الدارسين والدارسات، انتهت باعتذارى عن عدم الاستمرار، ولكن الغش لم يعتذر ولم يتوقف!
هل تعرف لماذا؟.. لأن الغش غير مجرم اجتماعاً، بل ومرحب به، وأولياء الأمور يدعون بالستر والصحة لمن يساعد عليه، بل يدفعون أحياناً للمراقبين، ويدعون لهم أيضاً.. فكيف يمكن أن يحصل طالب على دبلوم متوسط، وهو لا يجيد القراءة ولا الكتابة؟!.. ألا تعرف ذلك؟!
أخيراً، يحزننى أن أقول: طول ما العملية التعليمية، بكل مراحلها، على ما هى عليه، سيستمر الغش طبعاً.. وأتحدى من يقول إنه سيوقفه.. الحل فى نسف هذه المنظومة فوراً»!