لأن رمضان، هو شهر البيع والشراء.. والاستهلاك الأكبر.. بدأت شركات الإعلانات تكثف حملاتها للاستحواذ، ليس فقط على القنوات التليفزيونية والصحف الورقية.. ولكن للسيطرة على بطون.. وعقول كل المصريين!!
وتتركز الحملات الإعلانية هذه الأيام للسيطرة على أهم ما يمتلكهما الإنسان المصرى.. وهما: عقله.. ثم بطنه. أي ما يدخل إلى عقله من خلال ما يرى- والمصرى بطبعه- حيوان تليفزيونى يعنى هو أكثر شعوب الأرض التصاقاً بالشاشة.. ولا ينافسه إنسان آخر في عدد الساعات التي يقضيها مشدوداً، بل عبداً، لهذه الشاشة.. وبرامج التوك شو «السهارى» تمتد بالخمس والست ساعات، في موضوع واحد.. تخيلوا؟!
المعركة الإعلانية الثانية هي ما يأكل المصرى.. في شهر الصيام.. وإن كنت أعلم أننا أكثر شعوب الأرض طلباً للطعام، وبالذات في شهر نطلق عليه «شهر الصيام»، ولذلك تكثر هذه الأيام إعلانات الطعام.
في المعركة الأولى «إعلانات التليفزيون» بدأت كل قناة تقديم لقطات ومشاهد من المسلسلات التي نجحت في التعاقد على عرضها، مع انفرادها بهذه العروض وهى بالطبع مسلسلات لكبار النجوم.. أو ما نطلق عليهم نجوم رمضان بداية من النجم النابغة يحيى الفخرانى.. والنجم الساطع محمد عبدالعزيز.. إلى النجمة سوسن بدر وغيرهم.. بل وإلى التمهيد على عمل مشترك لأشهر من قمن بتقديم الفوازير وفى المقدمة نيللى.. وشريهان.
وبالطبع فإن إسعاد الجماهير ليس هو الهدف الأول.. بل هو حصيلة الإعلانات التي تتخلل ما بين مشاهد الحلقات، حتى بتنا وكأننا نشاهد إعلانات تتخلل بينها فقرات من المسلسل!! وإذا كانت مدة «التمثيل الفنى» في كل حلقة هي 15 دقيقة (!!!) فإن مدة الإعلانات- في نفس الحلقة- تصل إلى 45 دقيقة، وواضح أن الهدف هو حصيلة الإعلانات أكثر مما هو العمل الفنى الدرامى للمسلسل نفسه.
وعندما تقدم القنوات بعضاً من مشاهد ما نجحت في اقتناصه من مسلسلات هذه الأيام، فالهدف هو شركات الإعلانات، لكى تتسابق وتحصل هي- قبل غيرها- على نصيب الأسد من هذه الإعلانات.. التي باتت هي الهدف الأكبر، ليس فقط لهذه الشركات، وليس هو إقناع المشاهدين، ومن المؤكد أن الهدف المادى من كل ذلك، هو الذي دفع معظم شركات الإعلانات الكبيرة، إلى أن تتولى هي إنتاج هذه المسلسلات.. لتربح وتحصل على الكيكة كلها ومن المنبع.. نقصد من الاستحواذ على النجوم الكبار الذين يحصدون- واللهم لا حسد- الجانب الأكبر من ميزانية المسلسل!! ورحم الله زمناً كانت القنوات الخارجية تتسابق للحصول على هذه المسلسلات لعرضها على جماهيرها- في عواصمها العربية- لتفوز هي بحصيلة الإعلانات.. ولا مانع من إعطاء قطعة من كيكة هذه الإعلانات للشركة منتجة المسلسل.. ولا عجب هنا إن باتت شركات الإعلانات هي التي تتحكم في إذاعة مسلسلات بعينها.. حتى وإن كانت أو جاءت مسلسلات النجوم الكبار في غير فترة الذروة التي تأتى عقب طعام الإفطار.. لأن المشاهد.. «عايز كده!!».
ونصل إلى سطوة إعلانات السيطرة على بطون المصريين.. تماماً كما وصلت إلى السيطرة على «عقول» المشاهدين.. ونقصد بها إعلانات ماذا يأكل الصائمون، على الإفطار.. وعلى السحور.. وبماذا يتسلون خصوصاً أن المصريين- وكل العرب- هم ملوك التسالى، على مستوى العالم.
ولأن المصرى يهوى «المحمر والمشمر» تأتى إعلانات السمن والزيت في المقدمة.. والطريف أننا لا ننتج لا هذه ولا تلك عندنا. فالمصرى يستورد 95٪ من زيوت الطعام.. تماماً كما يستورد معظم السمن والزبد هذه من نيوزيلندا وتلك من أستراليا.. حتى الألبان التي ننتج منها هذه السمن والزبد، حتى ولو كانت من فرنسا ودول اسكندنافيا من هولندا إلى السويد والنرويج. وكذلك السمن النباتى.. وأخيراً تغرق الأسواق بكميات رهيبة من الزبد النباتى، ورحم الله أيام السمن الهولندى!! عندما كان المصرى يتصارع أمام المجمعات من أجل علبة سمن هولندى.
والزيت نستورد معظمه من عباد الشمس، والصواب دوار الشمس، ومن الذرة ومن فول الصويا.. وربما من الشلجم أي «اللفت» ومع كل هذا نجد إعلانات صلصة الطماطم والمكرونة وأيضاً المربى.
■ ■ حقاً نحن شعب «همه.. على بطه» يعنى «أكيل»، وبالذات في شهر الصيام، أما ما الذي ننتجه داخل بلادنا.. فلا شىء يذكر، حتى الأرز قررنا استيراده.. يا ترى: متى نستورد سلطانية الطرشى.. أو حتى حزم الفجل والجرجير.
■ ■ تلك هي قمة الملهاة المصرية!!