نتعجب من التهجم على مصر من الغرباء، خاصة السفهاء، تارة على شعبها وصفاته وتارة أخرى على حضارتها.. يتهكمون من فخر المصرى بحضارته ويعايرونه بفقره وتدنى مستوى التعليم وانخفاض مستوى الخدمات.. يسخرون من عوزنا وضيق المكان بنا.. يضحكون علينا حين نبدأ مرحلة جديدة وحين نقول إننا أبناء حضارة عظيمة بشعب جذوره ضاربة فى أرضه.
نتشوق كمصريين إلى كلمة إطراء عن بلادنا ترضينا، سواء كانت عن طيبة الناس أو عن أفضالهم على الشعوب الأخرى.. تطربنا لحظات الثناء على آبائنا وأجدادنا حتى لو انتهت الجملة بسؤال: ماذا حدث لكم يا شعب مصر؟ هل اخترعنا مقولة «مصر أم الدنيا» فقط كى نرضى تواضعنا ولا أقول غرورنا.. أقول اعتزازا بأنفسنا ولا أقول تباهيا وتفاخرا فى غير محله.. أنحن على حق أم أننا نبالغ فى الحديث عن تاريخنا؟ عندما قال الرئيس السيسى «مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا».. هل قالها إرضاء للناس وتزلفا لهم؟ معظمنا صفق وأحب العبارة حتى لو راودته الشكوك فى هذه الأيام الصعبة أن نصبح «أد الدنيا».. ولكن فى داخلنا لا نشك لحظة أن مصر «أم الدنيا».
خرج السفهاء يسخرون من هذا الوصف، وللأسف كان معظمهم منا.. فمنهم من سماها «مرات أبويا» ومنهم من بالغ بألفاظ يندى لها الجبين. وكان معظمهم أيضا منا.. من المصريين.. حاولت التماس العذر لهم فهم لا يبحثون ولا يقرأون.. قرأت منذ عام لشاب على أحد المواقع يسفه المقولة ويقول إنها أكذوبة نضحك بها على أنفسنا مثلما نضحك على أنفسنا بشعارات كثيرة.. وتعجبت من أن معظم التعليقات أيدت الكاتب الشاب.. وفى موقع آخر يرفع شعار القرآن كتبوا أن المقولة تنبئ بكفر لأن الله سبحانه وتعالى قال فى كتابه المحكم إن مكة هى أم القرى ولم يقل إن مصر أم الدنيا.. حقيقة لا أرى تعارضا بين الآية الكريمة والمقولة الشهيرة.
التفسير المعروف لأصل تسمية مصر أم الدنيا هو أنها نسبة للسيدة هاجر، زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكانت من مصر وتزوجها إبراهيم ثم انتقل للجزيرة العربية وتم تعميرها ورفع قواعد البيت العتيق فكانت التسمية تكريما للسيدة هاجر أم سيدنا إسماعيل.. وفى حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً»، قال الزهرى: الرحم باعتبار هاجر، والذمة باعتبار إبراهيم عليه السلام، والذمة هى: الحرمة والحق.
هذا التفسير معروف.. ولكننى أضيف إليه ما قاله الرحالة ابن بطوطة فى كتابه «رحلة ابن بطوطة - تحفة النظَار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، وهو كتاب يصف رحلته التى استمرت ثلاثين عاما ووصل مصر تقريبا عام 1325 فقال عنها: ثم وصلت مصر وهى أم البلاد، وقرارة فرعون ذى الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة والبلاد الأريضة، المتناهية فى كثرة العمارة، المتناهية بالحسن والنضارة.. قهرت قاهرتها الأمم، وتمكنت ملوكها نواصى العرب والعجم». وهكذا وصف ابن بطوطة المغربى مصر منذ ما يقرب من 700 عام فى كتاب مسجل ومترجم لعدة لغات، وصفها بأم البلاد وحدد أسباب التسمية ولم أذكر هنا إلا بعضا منها.
ولأننى قرأت مقالات التشكيك إما كرها فى مصر أو نكاية فى شعبها أو على أقل تقدير «استخسارا» فى ناسها.. عرفت أن الكارهين كثر ومصر هى بالقطع أم الدنيا ولذا لا يراودنى شك رغم الحاقدين أنها بجهد أبنائها ستصبح «أد الدنيا».. ولتحقيق ذلك علينا بالكثير من العمل.