الطريق لنهضة العلم والدولة فى مصر

إبراهيم البحراوي الأحد 15-05-2016 21:51

أعتقد أن علىّ أن أعود مرارا إلى عبارة أطلقتها من قبل وأرى أنها تلخص الروافع القادرة على انتشال الدولة المصرية بحكومتها وشعبها وإقليمها من وهاد التخلف الحضارى. العبارة هى (إصلاح أوضاع التعليم وتحويل خريجيه إلى قوى إنتاج رفيعة المستوى..

وإصلاح أوضاع البحث العلمى وتحويل منتجاته من الأفكار الذكية إلى ابتكارات تطور الأداء الحكومى والمجتمعى والمنتجات الصناعية والتكنولوجية والخدمات لتصبح مصر دولة متقدمة). إننى أعتقد جازما أن الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما قال إن مصر (شبه دولة) قصد إلى مواجهة النفس بمختلف جوانب القصور التى نراها فى حياتنا، والتى يمكن للتعليم والبحث العلمى علاجها والنهوض بها. لقد طالعت مؤخرا دراسة إضافية مبنية على نتائج ورشة العمل الدولية التى بادر إلى عقدها د. أشرف الشيحى، وزير التعليم العالى، لإطلاق مبادرة للارتقاء بالبحث العلمى وربطه بترقية المنتجات والخدمات فى مصر من خلال الابتكارات.

أُعدت الدراسة بناء على مجموعة أسئلة قمت من جانبى بطرحها على الدكتور الشيحى، الدكتورة أمانى خليفة الأستاذة بكلية الصيدلة، وهى عالمة مبتكرة وصاحبة بحث ابتكرت فيه دواء جديدا لعلاج ضعف الذاكرة عند المسنين، وهى أيضا ممثلة وزارة التعليم العالى فى اتحاد الصناعات. تركزت الدراسة حول الحوافز التى تستخدمها الدول الصناعية المتقدمة لتنشيط البحوث العلمية القادرة على الابتكار لتطوير المنتجات والخدمات، والتى يجب من وجهة نظرى أن تشمل تطوير الأجهزة الحكومية والإدارية فى الدولة أيضا. كذلك بينت الدراسة النتائج الاقتصادية الضخمة التى يحققها البحث العلمى للدول والمواطنين على حد سواء.

فقد أوضحت أن الدول المتقدمة تحصل من ثمار البحث والتطوير على ثروات هائلة من تسويق الابتكارات التى تنتج عن الأبحاث على المستويين المحلى والدولى وتضاعف دخلها القومى وتبنى حياة رغدة لمواطنيها.. يرجع ذلك إلى إيمان تلك الدول - والذى ينقصنا بشق الاعتقاد وشق التصديق على الاعتقاد بالعمل - بأن العلوم والتكنولوجيا والابتكار تمثل روافع قوية لنمو الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة. ترى هل يمكننا أن نستعير هذا الإيمان، وأن نحوله إلى برنامج حياة قادر على استثمار ذكاء العلماء المصريين وتحويله إلى ابتكارات فى كل المجالات. أعتقد أن مبادرة الدكتور الشيحى يمكن أن تمثل جسرا يربط بين واقعنا وعالم التقدم إذا التفت حولها الدولة، حكومة وشعبا.

كان من الضرورى لبناء هذه المبادرة المصرية على أسس سليمة أن ينظر علماؤنا فى تجارب الدول المتقدمة لنرى ما هى الحوافز التى تقدمها لتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة على الاستثمار فى البحث والتطوير والابتكار. لقد قدم الخبراء الدوليون المشاركون فى ورشة العمل الدولية المذكورة صورة للحوافز المختلفة التى تطبقها الدول لتشجيع الشركات على الاستثمار فى مجال البحث والتطوير.

قبل أن نعرض لها يشغلنى سؤال يقول ما هى ضمانات الجدية التى يمكن أن نطبقها على الشركات التى سنمنحها حوافز ضريبية ومنحا مالية لنضمن تحقيق إنجازات علمية وقطف ثمار ابتكارات فعلية. أطرح هذا السؤال على الدكتور الشيحى وفريقه العلمى الخاص بالمبادرة للتفكير والتخطيط فى ضوء ما نعرفه عن واقعنا من إيجابيات وسلبيات. أعتقد أن التجربة الصينية يمكن أن تهدينا وتقدم لنا القدوة فى تنفيذ المبادرة، فلقد تبنت الصين فكرة أن الابتكار هو قاطرة التنمية الاقتصادية، وقامت بزيادة استثماراتها فى البحث والتطوير بأكثر من الضعف فى الفترة التى تضاعف فيها دخلها القومى واعتمدت نظام الحوافز الضريبية للشركات المهتمة بالبحوث، وأعدت خطة خمسية لتحويل الدولة من اقتصاد التصنيع إلى اقتصاد المعرفة.

لقد تم لها تحقيق ذلك بنهاية عام ١٩١٥، وذلك من خلال زيادة الإنفاق على البحث والابتكار ليصبح اثنين واثنين من عشرة من إجمالى الناتج القومى.لقد أدى هذا إلى تحسين ترتيبها بين دول العالم فيما يخص الإستشهاد البحثى فى الدوريات العلمية من المرتبة الثامنة إلى الخامسة، كما أدى إلى زيادة براءات الاختراع والملكية الفكرية بالضعف. لقد ثابرت الصين على تعديل سياسات العلوم والتكنولوجيا وتشريعات البحث العلمى والابتكار خلال الثلاثين عاما الماضية، وكان الأثر المباشر لكل هذا تضاعف الدخل القومى للصين أكثر من أربع مرات بين عام ٢٠٠٢ و٢٠١٢.

إن الانتفاع بهذا النموذج يجب أن يشمل التعرف على ضمانات الجدية التى يطبقها الصينيون على الشركات المنتفعة بالحوافز الضريبية والتى تلزمها باستخدام الحوافز بصورة بناءة. أما فى هولندا، وهى رابع دولة على مستوى العالم فى مؤشرات البحث والتنمية والابتكار، فيتم تطبيق الحوافز الضريبية بنسبه ٨٥ فى المائة، ويتم تطبيق نظام المنح المالية للشركات بنسبة ١٥ فى المائة.

إن الحوافز الضريبية التى يتم تطبيقها تشمل ثلاثة أنواع هى: نظام الأرصدة الضريبية، ونظام الخصم الضريبى الفائق، ونظام صندوق الابتكارات كما تطبق هولندا نظام الإهلاك السريع للأجهزة والمعدات المستخدمة فى أنشطة البحث العلمى والتطوير والابتكارات. أما سويسرا وهى الدولة الأولى فى مؤشرات البحث والتنمية والابتكار فتطبق نظام المنح النقدية للشركات ونظام صندوق الابتكارات للحوافز الضريبية، وتقدم خفضا للمعدل الضريبى ودعما وتسهيلات للقروض الخاصة بأنشطة الابتكار. طبعا نتوقع أن تختار مصر النظام الأكثر ملاءمة لظروفها فى التشريع اللازم. إن الحكومات تراقب وتقيس الأثر الناتج عن تطبيق نظم الحوافز للتأكد من الجدوى الوطنية، ويتم هذا على ثلاثة مستويات: الأول هو قياس المبالغ التى استثمرتها الشركات فى أنشطة الابتكار، أما المستوى الثانى فيقوم على تقييم مؤشرات الابتكار، وأهمها عدد براءات الاختراع الصادرة عن الشركات الوطنية سنويا، أما المستوى الثالث فيقوم على تقييم مؤشرات الاقتصاد، وأهمها إجمالى الناتج القومى.

إن ما يهمنى هو معرفة الأثر الناتج عن تطبيق الحوافز على الاقتصاد الوطنى، وهو أمر تتوصل إليه الدول من خلال تقييم مؤشرات الابتكار قبل وبعد التطبيق. لقد بين الخبراء الدوليون فى ورشة العمل أن الأثر الإيجابى مؤكد، بدليل ازدياد عدد الدول التى تطبق الحوافز الضريبية. كان العدد عام ١٩٩٥ من بين دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ١٢ دولة فقط، تطبق حوافز البحث والابتكار، ثم زاد العدد عام ٢٠١٠ ليصبح ٢٠ دولة، وليرتفع عام ٢٠١٥ إلى ٢٨ دولة أصبحت ترى أن الاستثمار فى البحث العلمى والابتكار يمثل شرطا حتميا لتحقيق النمو الاقتصادى على المدى البعيد بما يترتب عليه من خلق فرص عمل للمواطنين وبناء مجتمعات الرفاهية الاقتصادية. تبرز الدراسة أيضا أن تقييم مؤشرات الابتكار ذو أهمية فى معرفة قدرة الدول على الإزدهار، وأن هناك تقريرا يصدر سنويا من خلال المنظمة العالمية للملكية الفكرية يبين العلاقة بين الابتكار والرخاء والنمو، وهو جانب يمكن أن نعود إليه بالتفصيل.

Info@bahrawy.com