ركبت ثمانى محطات فى مترو لندن، فدفعت خمسة جنيهات إسترلينية، تعادل 60 جنيهاً مصرياً تقريباً، وفى القاهرة يدفع راكب المترو جنيهين اثنين عن المسافة نفسها، إذا بدأ من محطة الدقى مثلاً ليصل إلى العتبة، مروراً بمحطات الأوبرا والسادات ومحمد نجيب، ثم يعود إلى نقطة البداية مرة أخرى!
السؤال الذى راودنى هناك هو: هل بقاء قيمة التذكرة جنيهاً فى مترو القاهرة لصالح مستخدميه من المواطنين، أم لا؟!
سوف يرد واحد ويقول إن الجنيه جنيه، سواء كان مصرياً، أو إنجليزياً، وإنك لا يجب أن تحسبها فى لندن بالجنيه المصرى، وإنما تحسبها بأن تقول إنك دفعت خمسة جنيهات وفقط، فى مقابل جنيهين عندنا وفقط أيضاً!
قد يكون هذا صحيحاً فى جانب منه طبعاً، لأن المشكلة فى أصلها، أن سعر العملة الوطنية هناك مرتفع، وأنه عندنا منخفض، إلى الحد الذى وصل فيه سعر الجنيه الإسترلينى حدود الـ13 جنيهاً مصرياً!
وحتى لو حسبنا المسألة بطريقة جنيه فى مقابل جنيه، بين القاهرة ولندن، فسوف يبقى أن مستخدم المترو هناك يدفع خمسة جنيهات، فى مقابل جنيهين يدفعهما الراكب فى مصر عن المسافة ذاتها!
ولست أدعو بالطبع إلى رفع قيمة التذكرة مجانياً، وإنما يخيفنى أن تنفق الحكومة على صيانة المترو، وعلى نظافة محطاته، وعلى انتظام الحركة فيه، على قدر عائدها منه، وأن يتراجع إنفاقها، كلما تراجع العائد، وأن نجد أنفسنا فى النهاية، أمام مترو غير المترو الذى عرفناه زمان، ووجدنا متعة كبيرة فى استخدامه عند بدايته!
وعلى المواطن ألا يصدق أن هناك خدمة عامة مجانية، تقدمها الحكومة له فى المترو أو فى غير المترو، وأن يتأمل التعليم عندنا مثلاً، باعتباره أبلغ دليل كخدمة عامة أساسية، تقدمها الحكومة لمواطنيها.. فالحكومة عندنا.. أى حكومة.. تردد دائماً أنه لا تراجع عن مجانية التعليم، وهى تقصد فى الحقيقة أن مستوى التعليم سوف يظل على حالته الراهنة إلى أن تجد ما تنفقه عليه، ليتحسن حاله، لأنه لا تعليم مجانياً فى أى مكان فى العالم، خصوصاً فيما بعد مرحلة التعليم الأساسى!
هناك خدمة تعليمية لها ثمن دائماً، وهو ثمن إما أن تدفعه أنت، كمواطن، أو تدفعه عنك حكومتك، فإذا لم تجد هى ما تدفعه وهو الحاصل حالياً، فإن طفلك يتلقى تعليماً على قدر ما يدفع بالضبط!.. إذا دفعت أنت مائة جنيه فى العام مثلاً، فسوف يحصل ابنك فى مدرسته على تعليم يوازى المائة جنيه، وإذا دفعت أكثر، فسوف يحصل على خدمة تعليمية أفضل.. وهكذا!
وإذا أرادت الحكومة، فى أى يوم، أن تكون قيمة التذكرة فى المترو جنيهين بدلاً من جنيه واحد، فعليها أن تشرح الأمر للناس بهذه الطريقة وبهذا الوضوح، وأن تقول لهم إنها ترفعها مضطرة، حتى لا تسوء الخدمة فيه، وحتى لا يتراجع مستواه عن سائر متروهات عواصم العالم، وأنها تتعهد بخدمة أفضل فى كل محطاته، وعرباته ونوافذ خدماته.
الحكومة التى تخدع أبناءها لا تستحق أن تكون حكومة ولا يجوز أن تستمر فى مقاعدها!