أمين عثمان: الكيل بمكيالين (2)

نصار عبد الله السبت 14-05-2016 21:51

بمناسبة مرور سبعين عاماً على اغتيال أمين باشا عثمان كتبت الأستاذة لوتس عبدالكريم، فى «المصرى اليوم»، مقالاً من ثلاث حلقات، عرفنا منه أنه خال سيادتها، وأنها حفيدة لأحد مؤسسى الحزب الوطنى القديم (الحزب الذى أنشأه مصطفى كامل، وتولى رئاسته من بعده محمد فريد، وفيما بعد فتحى رضوان)، وربما كانت هذه القرابة الوثيقة، التى تربط الكاتبة بالشخصية التى تكتب عنها، هى السبب فى تقديمها إياه فى صورة بالغة الإشراق تفوق الحقيقة وتتجاوزها (فى بعض الجوانب على الأقل)، فهو طبقا لتقديمها يتسم بالأمانة البالغة والصدق الشديد مع النفس والآخرين، فضلا عن اتسامه بالوطنية الصادقة التى أرجعتها إلى نشأته فى أكناف الأسرة عميقة الوطنية التى أشرنا إليها منذ قليل، وبالإضافة إلى تلك المزايا الأخلاقية التى رأتها الكاتبة فى خالها، فهو فى مجال اختصاصه الوزارى، وزيرا للمالية، ذو قدرات استثنائية خارقة، فقد أنقذ مصر من ديونها وحوّلها- كما تقول- من دولة مدينة إلى دولة دائنة!

ولو كان بيننا الآن فإنه من المؤكد أنه مثلما أنقذها فى المرة الأولى كان سينقذها مرةً ثانية من سيف الديون المسلَّط على رقبتها الآن!!!٫ وبالطبع فإن مثل هذا القول من جانب سيادتها وإن أمكن تفهم دوافعه الإنسانية والعاطفية، إلا أنه من المنظور العلمى الخالص لا يمكن قبوله بحال من الأحوال، ليس فقط لأنه يقلل من شأن وزراء المالية السابقين له واللاحقين على خالها، الذين كان من بينهم من يماثلون أو يتفوقون على أمين باشا فى قدراته..

منهم على سبيل المثال لا الحصر، قبل ثورة يوليو، أفذاذ من أمثال إسماعيل باشا صدقى (قل ما تشاء عن صدقى كعدو للديمقراطية، لكنه وزير مالية من طراز فريد بإجماع الذين أرخوا لإنجازاته)، وزكى باشا عبدالمتعال، عبدالحميد باشا بدوى، وبعد ثورة يوليو أفذاذ من أمثال عبدالجليل العمرى ونزيه ضيف وأحمد زندو، ليس فقط لأنه يقلل من شأن هؤلاء الأفذاذ قبل وبعد ثورة يوليو، ولكنه يغفل عن أن مشكلة ديون مصر هى مشكلة أعقد بكثير من أن تكون مشكلة مالية خالصة فحسب، وبالتالى فإن حلها أعقد بكثير من أن يكون مرتبطا بالسياسات المالية وحدها، وليس بوسع وزير مهما أوتى من العبقرية والحزم أن يحلها إلا ضمن منظومة متكاملة وشاملة يدخل فيها ما هو مالى وما هو اقتصادى إلى جانب ما هو إدارى أو سياسى وديموجرافى، فى ظل منظومة ثقافية سائدة فى المجتمع متقبلة للتقدم ومشجعة عليه، هذا لا يقلل من شأن أمين باشا عثمان كواحد من المتفوقين من أبناء مصر، سواء فى مراحل دراسته المختلفة أو فى مجال المواقع التى شغلها بعد تخرجه، ومن بينها مدير مكتب مكرم باشا عبيد، قطب الوفد المعروف، والذى كان يشغل من بين ما شغل منصب وزير المالية (وهو المنصب الذى تولاه فيما بعد أمين باشا عثمان نفسه)، وهنا تتوقف الأستاذة لوتس لكى تقول إن هذا قد ترك مرارة وضغينة فى نفس مكرم باشا، ومن ثم فهى تتهم مكرم باشا بشكل غير مباشر بأنه يقف وراء الحملة التى شوهت صورة أمين عثمان وأظهرته خلافا للحقيقة بمظهر الخائن!، اعتمادا على تأويل (خاطئ من وجهة نظرها) لعبارة وردت على لسان أمين باشا فى حفل خريجى كلية فيكتوريا بالإسكندرية وصف فيه العلاقة التى ينبغى أن تقوم بين بريطانيا ومصر بأنها علاقة زواج كاثوليكى لا ينفصم.. وطبقا لما ورد فى خطابه فى ذلك الحفل فلقد جربت بريطانيا زواج الغزو فلم ينجح وكانت الثورة (يقصد ثورة 1919)، وجربت زواج العقل القائم على المصلحة (يقصد معاهدة 1936)، لكننا نحن خريجى كلية فيكتوريا نؤمن بزواج الحب فهو وحده الذى يمكن أن يدوم ويتحول إلى زواج كاثوليكى..

ولاشك أن مثل هذه العبارة، رغم أنها مستفزة للشعور الوطنى العام، ليست دليلا على الإطلاق على أنه خائن، فالخيانة أو الوطنية توزن بالأفعال لا بمجرد الأقوال. وللحديث بقية.

nassarabdalla@gmail.com