لم يفاجئنى الرئيس السيسى حين أقر بحقيقة أننا نعيش فى «شبه دولة» وليس فى دولة راسخة الأركان بمؤسساتها شأن الدول المتقدمة. فحين كتبت هنا منذ شهرين مقالاً ذكرت فيه هذا الوصف لدولتنا الآن. تعرضت لحملة شعواء شنها بعض الدراويش فى ساحات الفضاء السياسى.
باعتبارى من دعاة إسقاط الدولة والمحرضين عليها من أعداء النظام الذين أنكروا وجحدوا الإنجازات التى منّ علينا بها الرئيس. ولكن جاء اعتراف السيسى نفسه بهذه الحقيقة ليرفع عنا الحرج. وينقذنا من بئر الخيانة والتآمر على الدولة. وإن كان الرئيس قد أقر معترفاً بهذه الحقيقة ليبرر لنا عجزنا الواضح كمصريين فى الوصول إلى إنجازات تجعل مصر «قد الدنيا» إلا إننا حين أشرنا إليها كحقيقة فى مقالنا كنا نحذر من الإسراف فى الأمانى والخيالات، وأن يكون سعينا لتحقيق البعض منها بقدر ما لدينا من إمكانيات. وبقدر ما لرئيسنا من قدرة على المبادرة والحركة. ولو كان السيسى يدرك خطورة التداعيات التى يمكن أن يثيرها هذا الاعتراف لتردد كثيراً قبل أن يقر به فى خطاب علنى على الملأ.
وأول تلك التداعيات هو نفى تهمة «إسقاط الدولة» التى يواجه بها النظام معارضيه من مختلف التوجهات السياسية. فلا وجود لدولة عظمى يحاول البعض إسقاطها كما يتوهمون. وأن الموجود منها لدينا مجرد «شبيه» يستدعى معارضة- ولا أقول مقاومة- القائمين عليه بسبب إخفاق فى الوصول به إلى الكمال الذى ينشده كل وطنى غيور محب لبلده متمنياً له النهوض والرقى. كما أن اعتراف السيسى بحقيقة شبه الدولة يسقط مزاعم الذين يدّعون أننا أفضل حالاً من سوريا وليبيا والعراق.
تلك الدول التى أصبحت هى الأخرى من أشباه الدولة. للصراع الدائر بها بين أطراف يسعى كل منها لامتطاء صهوتها. والانفراد بإمساك اللجام والتوجه به إلى حيث يشاء. لقد أقر السيسى بهذه الحقيقة بعد عامين من وصوله للحكم. دون أن يحدد لنا برنامجه للانتقال بنا من مرحلة «شبيه الدولة» إلى مرحلة الرسوخ والاستقرار فى ظل الاستمرار فى خطأ الاعتقاد بأن رسوخ الدولة يأتى بشق الطرق وإقامة الجسور والكبارى. وليس بنظام قانونى ومؤسسى يظلل الجميع دون استثناء أو تمييز وإعلاء مبدأ الكفاءة على حساب الولاء والتخلى عن النرجسية التى تودى بصاحبها إلى العناد والتصلب.
وعدم الاستسلام لوهم «إن الكل فى واحد» فيفكر ويقرر نيابة عن الكل. مستبعداً الشعب من المشهد إنكاراً لكونه مصدر السلطات كما ينص الدستور صراحة.