مستشار شيخ الأزهر: إسرائيل وأمريكا والجهل سبب الاحتقان الديني

كتب: اخبار الثلاثاء 09-11-2010 15:47

أعلن الدكتور محمود عزب، مستشار شيخ الأزهر لشؤون الحوار، أن مركز الحوار مع الغرب الذي حل محل لجنة حوار الأديان بالأزهر سيكون له هيئة استشارية تضم كبار العلماء من العالم الإسلامي المشهود لهم بالعالمية، الذين يتمتعون بتأثير كبير على الآخر الغربي.

وقال  عزب الذي عمل أستاذا للحضارة الإسلامية بجامعة السوربون الفرنسية، ليساهم في إعادة رسم الصورة الذهنية عن المسلمين في الغرب إن المركز سيتولى «مسؤولية الحوار مع الآخر حول كل شيء إلا العقيدة، فهي ليست مجالا للحوار، ولا يجب أيضا أن نناقش الآخرين في عقائدهم».

وفي حوار مع «المصري اليوم» حدد الدكتور عزب ثلاثة أسباب للاحتقان الدينى بين المسلمين والمسيحيين هي «إسرائيل بمساعيها الخبيثة»، و«احتلال القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا لبلاد إسلامية» و«الجهل المطبق بالدين الإسلامى والدين المسيحى».

وفيما يلي نص الحوار:

* لنبدأ من رحلتك من الأزهر وإلى فرنسا.. كيف بدأت وكيف وصلت لموقع أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة السوربون؟

- بدأت دراستي في الأزهر، وفي الجامعة اخترت قسم اللغات السامية بكلية اللغات والترجمة، كي أدرس اللغة العبرية القديمة والحديثة، وبعد أن حصلت على الليسانس ثم الماجستير، أوفدني الإمام عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله لفرنسا للحصول على درجة الدكتوراه. وقتها قلت للإمام إنني لا أجيد الفرنسية، فرد عليَّ: أنا أيضا لم أكن أجيدها، والأزهريون موثوق فيهم، فنحن نلقي بهم وهم يتعلمون السباحة وحدهم ولا يغرقون أبدا. وبالفعل  ذهبت لباريس لأول مرة في 1976ومعى خطاب من إدارة البعثات للدكتور عاطف صدقى الذى كان مستشارا ثقافيا فى ذلك الوقت، وسجلت فى جامعة السوربون للحصول على دكتوراه الدولة، وقضيت 11 عاما أدرس حتى أصبحت أستاذا للحضارة بجامعة السوربون وأثناء دراستى للدكتوراه ترجمت العديد من النصوص العربية بمشاركة الكاتب والمستشرق الفرنسي جان بيرك، وفي الوقت نفسه كنت أتصدى للدفاع عن كل ما يطرح من قضايا تخص مصر أو الإسلام في وسائل الإعلام الفرنسية.

* عشت لنحو ربع قرن في فرنسا، كيف تقيّم علاقة الغرب بالإسلام؟

- لا يمكن أن نقول إن فرنسا تضطهد المسلمين، وتعادى الإسلام وأنها دولة معقدة كما يشاع، ولا يمكن أيضا أن نقول إن فرنسا تسبح بحمد الإسلام وتسجد له لأن هذا غير صحيح، والحقيقة أن هناك عدة أوجه لفرنسا، فهناك فرنسا الجامعة والبحث العلمى وهى مفخرة الفرنسيين وهناك فرنسا الإعلامية وهى مصيبة المصائب كما هو الإعلام فى مصر والعالم العربى، وهناك أيضا فرنسا الشارع التى تضم المثقف والجاهل،  وجهلاء فرنسا لا يختلفون عن جهلاء مصر لأن نظرة كل منهم للآخر غير صحيحة، فبعضهم يصف المسلمين بالإرهاب والتطرف والتشدد ويرى العالم الإسلامي مجرد أرض خصبة لاستهلاك منتجاته وغير قادرة على إنتاج الحضارة الإنسانية. بالمقابل بعض المسلمين يرون أن الغرب  يقف ضد الإسلام كله، وللأسف لعب الإعلام المصرى والعربى دورا سلبيا بإطلاقه مفردات فضفاضة ليس لها معنى تزيد الأمور سوءا وتبنى بها جدارا عازلاً بين الإسلام وأوروبا.

* كيف ظهرت (الإسلامو فوبيا) وكيف نواجه تلك الظاهرة في الغرب؟

- النقطة الفاصلة فى رأيى هى سقوط الاتحاد السوفييتى، بعدها بدأت أوروبا تنشر فكرة الخوف من الإسلام وواكب ذلك ما حدث في أفغانستان، ثم الشيشان، حيث ذهب آلاف الشباب المسلمين للجهاد هناك، وكلمة الجهاد هنا يجب أن نضع أمامها علامات استفهام.. أى جهاد ؟ وضد من ؟ ولصالح من؟.

والحقيقة أن أمريكا التى ساهمت فى إنشاء تنظيم القاعدة لتحارب به الاتحاد السوفييتى تكتوي الآن بنارها، وكان الإسلام والمسلمون من أول الضحايا. ومع ظهور التطرف فى العالم الإسلامى، قالت أوروبا (هذا هو الإسلام) ومن هنا أصبحت ظاهرة الإسلامو فوبيا تبرر لمزيد من الضغط على الإسلام والمسلمين وشيخ الأزهر د. أحمد الطيب رد على بعض محاوريه الأوروبيين حول هذه النقطة تحديدا وقال (كيف يكون الإسلام مخيفا والعالم الإسلامي ضعيف ومقهور ومتعدى عليه في عقر داره؟).

* إذن ما الذي ساعد على تغذيه الإسلاموفوبيا حتى أصبحت ظاهرة اجتماعية شائعة في أوروبا؟

- للأسف، ساعد على تغذية الإسلاموفوبيا فوضى الخطاب الدينى على القنوات الفضائية حاليا، وهو خطاب يهتم بالمظهر على حساب الجوهر، وللخروج من تلك  الأزمة يجب أولا أن نترك التركيز على السطحيات والتفاهات، وأتذكر أن أحد الأصدقاء من القساوسة قال لي منذ أيام :(أخشى أن يكون المسلمون الآن مثل البيزنطيين عندما كانوا يناقشون داخل الكنائس هل الملائكة ذكور أم إناث فيما يدق العثمانيون أبواب بيزنطة)، وهذا للأسف ما نفعله الآن عندما نسمع عن فتاوى بول الرسول ورضاع الكبير وهل دم البرغوث ينقض الوضوء أم لا.

 *بعد قرار د.أحمد الطيب إلغاء لجنة حوار الأديان بالأزهر الشريف واستبدل بها بمركز الحوار مع الغرب ماذا فعل المركز، وما هو الدور المنتظر منه؟

- فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، فوضني فى الحديث عن هذا المركز في كل مكان، ومراسلة جميع هيئات الحوار في العالم للتعريف به، وهناك مجلس أعلى للمركز سوف يعلن عن الأعضاء قريبا، ويرأس المجلس شيخ الأزهر، ويليه د. حمدي زقزوق وزير الأوقاف باعتباره أحد الذين عاشوا في أوروبا ودرسوا فيها، وهناك توافق دائما بين الأزهر والوزارة. ومن المقرر أن يكون للمركز هيئة استشارية تضم كبار العلماء من العالم الإسلامي المشهود لهم بالعالمية والذين يتمتعون بتأثير كبير على الآخر الغربي، كما سندعو جميع المؤسسات الإسلامية لنوحد كلمتها أمام الغرب. أما عن دور المركز، فمن المفترض أن يتولى مسؤولية الحوار مع الآخر حول كل شيء إلا العقيدة، فهي ليست مجالا للحوار، ولا يجب أيضا أن نناقش الآخرين في عقائدهم، لكن الأساس أن يكون النقاش حول القيم العليا المشتركة للإنسانية جميعا كالحق والخير والعدل والسلام، وسيكون الحوار مع المسحيين واليهود، وبالطبع لن يكون هناك حوار مع الصهاينة ولا حاخامات إسرائيل، فهي بلد معتد، وحاخامتها متطرفون، وغير مرغوب في الحوار معهم، أما يهود العالم المعتدلون فنحن نرحب بالحوار معهم، والشرط الوحيد للحوار هو الاحترام المتبادل.

* انتشرت في الفترة الأخيرة مخاوف من اسلمة أوروبا.. برأيك من يقف وراء تلك الفكرة ونشرها بشكل واسع؟

- أسلمة أوروبا فكرة مضحكة وتثير السخرية، فعندما حزن رسول الله لأن أهل مكة لم يسلموا، أنزل الله الآية الكريمة (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا). وهناك الآية الكريمة التي تقول (ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).

فمادام الإسلام غير مهدد فى عقيدته، ومادام هناك مساجد يذكر فيها اسم الله تعالى سواء فى فرنسا وأوروبا ككل فنحن لسنا مطالبين بمحاربة العالم وإكراههم على الدخول فى ديننا، ومع ذلك فالإسلام ينتشر فى أوروبا بشكل كبير إما من خلال المثقفين الذين يدرسون القرآن ويتعاملون معه عن قرب، أوالمسلمين الذين يثبتون كفاءتهم وقدرتهم على التعايش، أو بسبب تاريخ الإسلام فى البحث العلمى والعلوم الإنسانية، وهو التاريخ الذي ينبهر به الأوروبيون، وهناك ألف منفذ آخر لدخول غير المسلمين فى الإسلام برغبتهم وقناعاتهم. وفكرة أسلمة أوروبا يروج لها بعض الجهلاء الذين لم يدرسوا القرآن الكريم، ولا يعرفون شيئا عن الإسلام مثل ذلك الشخص الأحمق الذى يعيش فى جبال أفغانستان ويبعث برسالة لرئيس جمهورية فرنسا يقول فيها (أسلم تسلم) فهل يمكن أن تكون هذه طريقة للحوار ونحن فى القرن الواحد والعشرين؟.

* وصفت يوليا لاتينيا المعلقة السياسية بإذاعة موسكو الأزهر بأنه (مفرخة - لتخريج الإرهابيين)، فكيف كان رد المشيخة؟

المفروض ألا أرد على تلك التصريحات الجاهلة، فقد تعودت ألا أدع أحدا يجرني إلى منطقة لا أريد أن أذهب إليها، وهناك أشياء لا تستحق الرد عليها، والأزهر أكبر من هذه التفاهات، لكننى أقول إن السيدة لاتينيا تجهل تاريخ وطنها نفسه، فلو قرأت قليلا لعرفت أن إمبراطور روسيا – قبل الثورة البلشفية عام 1917- طلب من الأزهر الشريف إيفاد عالم أزهرى ليدرس الإسلاميات بالأكاديمية الروسية فأوفد إليه الشيخ محمد عياد الطنطاوى أحد عمالقة الأزهر وعاش فى روسيا وكان يمشى فى شوارع موسكو فيقوم له غير المسلمين احتراما ومات ودفن فى مقابر الشيشان هناك، وإذا كانت السيدة لاتينيا تجهل تاريخ بلادها فتلك هى مشكلتها كما أنها نالت جائزة جولدا مائير وهذا يكفى لجعلنا نفهم كل شىء عن أفكارها ومساعيها.

* كيف ترون العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر، خاصة بعد الاحتقانات الطائفية الأخيرة؟

- السبب الأول فى الاحتقان الدينى بين المسلمين والمسيحيين هو إسرائيل بمساعيها الخبيثة. كما أن احتلال القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا لبلاد إسلامية أيقظ روح الجهاد لدى شباب المسلمين، من هنا بدأت بوادر التعصب عند بعض المسلمين تطفو على السطح كرد على الغطرسة الأمريكية.

والسبب الثالث والأهم فيما يحدث فى المنطقة وفى مصر هو الجهل المطبق بالدين الإسلامى والدين المسيحى فكل طرف سمح لنفسه أن يتكلم عن دين الآخر دون دراسة أكاديمية علمية موضوعية صادقة، فالكثير من الإخوة المسيحيين لا يعلمون شيئا عن الإسلام والكثير من المسلمين أيضا لا يعرفون شيئا عن المسيحية، فالإسلام فتح عينيه فوجد  المسيحية العربية شريكة في الأرض والوطن والمصير، وهناك في التاريخ الإسلامي شواهد على احترام هذا الوجود بشكل غير مسبوق فهناك لقاء رسول الله بمسيحيي نجران وصلاتهم في ركن من أركان المسجد وهناك أيضا  وصايا أبو بكر بضرورة عدم إزعاج الرهبان في صوامعهم  وكذلك عهد عمر بن الخطاب لأهل إيلياء (القدس).

* بعد تفجير كنيسة سيدة النجاة بالعراق، وتهديد تنظيم تابع لـ(القاعدة) باستهداف الكنائس المصرية، كيف تقرأ مخاوف المسيحيين في المشرق العربي؟

- لا أحد يعلم إن كانت تلك التهديدات خطة أمريكية مفتعلة أم لا، فالحرب فى العالم الآن هى حرب إعلامية ولا أحد يعلم مصادر الأخبار، ومع الأسف أصبح الناس  يصدقون أى شىء، والقرآن الكريم أوصانا بالتروي والتحقق، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنو إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). وأعتقد أن هذه التهديدات لم تجد أي صدى في مصر، وفي القرن الماضي حاول الإنجليز استخدام ذات القضية لتفريق الشعب لكنهم فشلوا، وخرج المسيحيون وقتها من قبل الأزهر وأعلنوه رمزا لمصر وكل المصريين. ونحن مع الكنيسة المصرية ولن يمسها أحد بسوء، والأزهر سيقف أمام  أي قوة غاشمة تحاول ذلك.

* كيف ترى المظاهرات التي تنطلق كلما انتقل مواطن من دين إلى آخر؟.

هذا جزء من السيمفونية الحمقاء، فإن كان هناك إنسان دخل فى دين آخر عن قناعة شخصية فهذا هو موقفه الشخصى وسيحاسبه عليه الله، وهى مشكلة فردية بحتة مادام لا إكراه في الأمر، وقد وافق رسول الله فى صلح الحديبية على أن من يرتد من المسلمين ويعود إلى مكة لا يرده المشركون ومن يسلم من أهل مكة يرده ولا يقبله رسول الله، وحتى القرآن عفا عن المكره على الدخول فى دين آخر وقلبه مملوء بالإيمان.

 * كيف تصف تجربة الدعاة الجدد وتأثيرها على صورة الإسلام ؟

الدعاة الجدد هم مصيبة الإسلام والمسلمين وهي مصيبة أقوى على الإسلام من الإسلاموفوبيا. فالإسلام له علوم، وهذه العلوم لها مصادر ككليات أصول الدين والشريعة وكليات الدعوة ومن المتعارف عليه أن الداعية يجب أن يكون دارسا للفقه والشريعة وأصول الدين، أما ما يحدث الآن أننا نجد أي شخص بلحية وجلباب ومبلغ من المال يستطيع أن يؤسس قناة دينية يفتي من خلالها في أشياء ليس له بها علم، وبأحكام ما أنزل الله بها من سلطان.

* ليس الدعاة الجدد وحدهم من يعملون خارج مظلة الأزهر فهنا الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين وجبهة علماء الأزهر، فهل تعتقد أنهما قادران على سحب البساط من الأزهر؟

- لا يوجد شىء اسمه جبهة علماء الأزهر فهى نشأت فى ظروف معينة وأسسها قلة من الأزهريين وعندما أساءت تفككت وانحلت وانتهت، والآن ليس لها وجود. وعندما كانت موجودة لم نعترف بها، فلا يوجد سوى الأزهر وإمامه وهو رمز أعلى ومعه كل من تخرج فى الأزهر.أما الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين برئاسة الشيخ القرضاوى فله دور مهم يقوم به مشكورا .