فارق كبير جداً بين حكاية ميدو وقيامه بحلاقة شعره أمام كاميرا التليفزيون كما تناولها الإعلام المصرى والإعلام الإنجليزى.. فـ«ميدو» على شاشة بى إن سبورت كان قد وعد بحلاقة شعر رأسه إن فاز نادى ليستر سيتى بالدورى الإنجليزى هذا الموسم.. وحين فاز ليستر سيتى بالفعل لم يكن أمام ميدو خيار إلا الجلوس أمام كاميرا نفس القناة ليحلق شعر رأسه على الهواء التزاما بكلامه واحتراما لكل من شاهده يقطع على نفسه هذا الوعد.. وبينما تعامل معظمنا هنا فى مصر مع هذه الحكاية باعتبارها نكتة إلى جانب كثير جدا من السخرية من ميدو.. كانت الصحف والشاشات الإنجليزية تتعامل مع نفس الحكاية باعتبارها أمرا طبيعيا ويدعو للإعجاب والاحترام، لا للسخرية أو الشماتة على الطريقة المصرية.. فبالنسبة لهم وفى بلادهم ومجتمعاتهم هناك.. يحدث كثيرا أن يتبنى أحدهم رأيا أو موقفا ويدعو لرؤية أو فكرة ثم تمضى أيام وأسابيع أو حتى سنوات ليكتشف هذا الإنسان أنه كان على خطأ.. ويعتذر ويتراجع ويعترف بالخطأ والهزيمة أيضا.. أما عندنا.. فلا أحد يتراجع.. لا أحد يعتذر.. لا أحد يعترف بأى خطأ أو هزيمة أو فشل.. وبدلا من ذلك كله يكون الانشغال باختراع أى أسباب أو قصص ومؤامرات فقط لإثبات أنه لم يكن هناك أى خطأ أو فشل، إنما هى دائما أخطاء وإخفاقات الآخرين.. وأنا واثق من أن معظم الذين سخروا من ميدو لم ينتبهوا ولا يحبون حتى أن يلفت أحد انتباههم إلى أنهم باتوا كلهم ضحايا لهذا القانون المصرى غير المكتوب لكن يلوم به الجميع.. اثبت على رأيك وموقفك وقرارك مهما جرى.. فإن ثبت أن رأيك خاطئ واختيارك فاشل ورهانك خاسر.. لا ترتبك أو تضعف أو تستسلم.. قل لهم إنها الظروف والمؤامرات وليس أنت.. اكذب وحلل وأطل فى الحديث والشرح والتفسير.. لكن إياك أن تعترف بأنك كنت على خطأ.. وإلا سيسخرون منك.. سيتهمونك بالضعف وستطاردك اتهاماتهم لك بالفشل والعجز.. سيقولون إنك جاهل أو أحمق أو صاحب مصلحة.. لكنهم فى الإعلام الإنجليزى لم يقولوا شيئا من ذلك عن ميدو وهم يحكون حكايته ويضحكون معه لا عليه لأنهم احترموه كثيرا وجدا.. تماما مثلما ينتظرون هناك التزام النجم الإنجليزى القديم والشهير جارى لينيكر الذى وعد بتقديم أول استوديو تحليلى فى الموسم الجديد بملابسه الداخلية إن فاز ليستر سيتى بالدورى.. ومثلما احترموا أيضا نجم هوليوود القدير توم هانكس الذى كان قد راهن فى أول الموسم على فوز ليستر سيتى بالدورى.. وبعد فوزه بنصف مليون جنيه استرلينى.. قال هانكس إنه كان يمزح ولم يراهن نتيجة فهم أو تحليل أو دراسة.. ولم ينضم هانكس لهؤلاء الذين تصنع المصادفات نجاحاتهم فيتحولون فجأة إلى أصحاب حكمة ومعرفة.. فلا أجمل من الصدق مع النفس ومع الآخرين أيضا.. جمال لم يعد الكثيرون فى بلادنا يعرفونه ويمارسونه نتيجة كل هذا الكذب والفوضى والخداع التى أصبحنا كلنا ضحاياها دون أن ندرى.