لماذا اتصل نقيب الصحفيين بضابط الأمن الوطنى

سامي جعفر الجمعة 13-05-2016 21:33

لعل قراء كثيرين في مصر، يشعرون بالفضول، لمعرفة شخصية يحيى قلاش، نقيب الصحفيين، الذي كان في صدارة مشهد صعب للغاية، دولة تحشر مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدنى في ركن ضيق، وتستأسد عليها مستغلة سطوتها واحتكارها لجميع أنواع العنف، الناعم والخشن منه، في مواجهة نقابة تنشط فيها مجموعات شرسة تعارض الدولة والرئيس عبدالفتاح السيسى.

ليس أمامك سوى أن تحب، قلاش، إذا التقيته لأنه رجل هادئ يبدو موضوعياً، كما أنه أحد أشهر النقابيين، لأنه كان سكرتيراً عاماً للنقابة لمدة 8 سنوات، مع نقيبين شهيرين، أولهما إبراهيم نافع، رئيس مجلس إدارة وتحرير مؤسسة الأهرام، والثانى جلال عارف، الكاتب الصحفى بالأخبار، وكان كثيرون وأنا منهم يتطلعون إلى وصول قلاش إلى منصب النقيب، وكنا نظن أنه سيعطى الجميع درساً في كيفية إدارة النقابة لتمثل إضافة ديمقراطية إلى الدولة والمجتمع معاً.

لا داعي الآن لتقييم الفترة التي قضاها قلاش في موقعه، والتى تزيد على العام، لأنه لا مجال للقسوة عليه حالياً، لأننى أحبه، ولأنه يتعرض لهجوم قاس في فترة صعبة، يبدو فيها لا حول له ولا قوة، أمام انقسام أعضاء مجلس النقابة، وأمام بعض الزملاء المعتصمين في مبنى النقابة، من أصحاب الحناجر القاسية، والدور الثورى غير المنكور في ثورة 25 يناير، حتى لو اختلفت معهم في منطلقاته وأهدافه ومساره.

يجب أن تشعر بالإشفاق على نقييب الصحفيين، لأنه تصرف بطيبة في اعتصام الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، فلم يكن من الضرورى أن يوقع على بيان تضامن مع اعتصامهما، «ضد أمر النيابة بضبطهما وإحضارهما، على ذمة الاتهامات الموجهة إليهما»، إذ إن الأفضل إجراء اتصالات مع الجهات المختصة لتسليم الزميلين إلى النيابة وتقديم المساندة القانونية لهما، وهو ما تقوم به أغلب النقابات.

النقيب بدأ اتصالاته حسب قوله، بمكالمة لضابط الأمن الوطنى المسؤول عن الصحفيين، والأعلى منه، ومن حقك أن تسأل ما الذي دفعه لإجراء هذا الاتصال، وما هي قانونية هذه الخطوة، وما التصرف المنطقى الذي كان يجب عليه أن يفعله، وهل المشكلة تخص النقابة فقط أم أن هناك أطرافاً أخرى في المسألة؟.

هذه الأسئلة ليست ادعاء للحكمة بأثر رجعى، ولكنها محاولة للاستفادة من أزمة، تعقدت وبدت بعض الأطراف عاجزة عن حلها، فيما تحاول أطراف أخرى أن تزيدها تعقيداً، بدرجة أكبر من المطلوب، وهو أمر سيتكرر في أي خلاف أو احتكاك بين مؤسسات الدولة والمجتمع في المستقبل.

تتمسك الدولة ممثلة في وزارة الداخلية والنيابة العامة، بأن دخول النقابة، تم وفق قانون الإجراءات الجنائية، في المقابل تؤكد النقابة أن ما تم اقتحام يخالف قانونها، وتحاول حصر المشكلة في هذا الإطار، بينما الواقع، أن جماعات تتخفى خلف النقيب وبعض أعضاء مجلس النقابة، ويحاول النقيب والأعضاء الاستفادة من هذه المجموعات، ولكن توجهها المعارض للدولة وللرئيس عبدالفتاح السيسى، أضر بالنقيب، لأن الدولة لم تعد ترى النقابة قلعة للرأى بتعبير الصحفيين، ولكنها منصة للهجوم، ظهر واضحاً في مظاهرات رفض إعادة تيران وصنافير التي احتضنتها النقابة في أول تظاهر منظم للقوى المدنية منذ 30 يونيو.

وفى هذا الصراع السياسى بامتياز، يحاول الطرفان الاستفادة من أدواتهما، النقابة بحشد شباب الصحفيين الغاضبين من المساس بكرامة نقابتهم، رغم رفضهم في الوقت نفسه استغلال النقابة في خلاف سياسى لبعض الأعضاء مع الدولة والرئيس.

كما حاولت النقابة الاستفادة من سلطتها الأدبية بدفع الصحف سواء الخاصة أو القومية لاستنكار الواقعة، والمطالبة بإقالة وزير الداخلية، ونشر صورته «نيجاتيف»، سرعان ما انقلب الأمر إلى اعتراف من جانب بعض هذه الصحف بأنها أخطأت، وتبعها عدد من كبار الصحفيين الذين طالبوا مجلس النقابة بالاستقالة، فيما انقسم المجلس على نفسه، باعتراف عدد منهم، بأنهم تعرضوا لخديعة، فيما اعترف بقية الأعضاء بأنهم لم يستطيعوا مواجهة حماس الشباب وغضبهم داخل اجتماع 4 مايو بالنقابة.

أما وزارة الداخلية، فكانت تبدو في البداية في موقف الضعيف، أمام رد فعل النقابة، خاصة مع الصدى العالمى الواسع الذي اعتبر الحادثة عدواناً على الحريات، وانتهاكاً لنقابة، سرعان ما ساعدت أخطاء مجلس النقابة في إدارة المشهد، في تبدل الصورة على الأقل في الداخل، حيث بدا الصحفيون منقسمون على أنفسهم، وهم كذلك بالفعل، وجاء حادث استشهاد 8 من رجال الشرطة بحلوان، ليثير تعاطف الرأى العام مع الداخلية.

وسط هذا المشهد، لا يمكن لأى طرف أن يدعى أنه يعلى من دولة القانون، لأن جميع الخطوات تمثل صراعاً سياسياً، يستقوى فيه كل طرف على آخر، بمدى قدرته على فرض إرادته، ويمكن أن تلاحظ أن النقابة لا تمارس دورها في حماية المهنة من التحول لوسيلة ترويج للشائعات والأكاذيب.

أما الداخلية فرغم جهودها في فرض الأمن، إلا أنه لا يمكن القول إنها تنفذ القانون بحرفية وحيادية، حيث تمتلئ دواليب الوزارة بعشرات الآلاف من أوامر الضبط والإحضار، ومطالب تنفيذ الأحكام، دون تنفيذ، ومنها أحكام بحبس أشخاص يمشون في الشوارع ويتعاملون في الأسواق وبعضهم يظهر على شاشات الفضائيات.

كان يمكن لهذه الأزمة أن تفيد الدولة والمجتمع معاً، لو أن كل طرف التزم بالقانون فعلاً لا ادعاء، ولما كان النقيب قلاش في حاجة إلى الاتصال بضابط جهاز الأمن الوطنى، لأن هذه الواقعة فاضحة وتؤكد بوضوح أن أجهزة الأمن لاتزال تمارس أدواراً خارج إطارها المرسوم، وأن مؤسسات المجتمع الأهلى لاتزال تتمسك بإدارة أمورها من داخل هذا المفهوم.

كان يمكن لهذه الأزمة أن تفيد المجتمع، لولا أن المواطنين شاهدوا على الهواء مباشرةً، طرفين، يلعب كل منهما نفس اللعبة التي يعرفونها هم أيضاً، إذ إننا جميعاً نعرف أننا نحاول الالتفاف على القانون، في التهرب من الضرائب، ومن قواعد المرور في الشارع ومن اللوائح في العمل، والقائمة طويلة.

الأمر الآخر أن النقابة والدولة معاً قدمتا نموذجاً فاشلاً في إدارة الأزمة، وهو أمر يتكرر في كل لحظة وفى كل حادثة، وإلا لما تحول مقتل أجنبى (الباحث الإيطالى جوليو ريجينى) إلى فضيحة أضرت بصورة مصر ومصالحها، إذ إن جميع المؤسسات التي تفتقد الخبرة والشعور بالمسؤولية، لا تعرف كيفية بناء موقف ووضع استراتيجية لإدارة الأزمات، وإلا لما أضر مجلس النقابة ومجموعات من الزملاء الصحفيين بالنقابة وبأنفسهم وزملائهم بينما كانوا يحاولون استعادة الهيبة والكرامة لأنفسهم ومؤسستهم.