ولم يأت عشق المصرى للواسطة.. وإيمانه بمبدأ الرشوة من فراغ.. ولأن الحاجة أم الاختراع، نجد أنه كلما زادت نسبة البطالة.. زاد الحديث عن الواسطة والوسايط.. حتى أصبحت الكلمة على لسان الكل، الآباء، والأمهات.. والشباب أنفسهم.. بل يقول الكل: لا تصدقوا كلام المسؤولين عن رفض الواسطة.. ولا تصدقوا أى إعلان للتعيين فالإجابة جاهزة على لسان الكل: أصل المسابقة معمولة سد خانة.. لأن من سيتم تعيينهم معروفين بالاسم.. ومسبقاً، بل المسابقة «معمولة» لتقنين الأوضاع.
ولسان حال من يؤمن بكل ذلك هو ما يرونه من أولوية التعيين حتى فى القضاء والنيابة العامة لأبناء المستشارين والقضاة.. واللواءات: وما يراه الشباب فى تعيين أوائل الخريجين، أى المعيدين، وبالذات فى كليات الطب والصيدلة وما يتبعهما.. حتى يرث الابن عيادة الأب أو الأم.. ويرث أيضاً منصبه بين أعضاء هيئة التدريس.. وهكذا!! بل وحجب وظائف معينة من أجل ابن حتى لو كان فى السنة الثالثة أو الثانية ليحصل على الدرجة العلمية.. هنا يعاد فتح باب تعيين.. المعيدين!!
وينتشر وباء الواسطة ورفيقها «الرشوة» بين المجتمعات كلها - مهما تنوعت درجاتها، ولكن الحدة تزداد بين المجتمعات المطحونة التى تحلم بتحسين أوضاعها.. أو بالحصول على ما تراه حقاً لها فى المواقع الحيوية.. وقد سجلت السينما المصرية هذه الظاهرة.. وما حكاية ابن البواب فى فيلم عمارة يعقوبيان.. وأيضاً ابن الجناينى فى فيلم رد قلبى، إلا تعبير عن هذا الحلم من جانب.. والغبن من جانب آخر.. وبالمناسبة هل نتذكر تصريح وزير العدل الذى أودى بمنصب الوزير فيما يتعلق بتعيين أبناء فئات معينة، فى النيابة العامة.
** وربما يكون الدمياطى من أكثر أبناء مصر عشقاً للواسطة.. وهذا بالتأكيد نشأ فى الوجدان الدمياطى من كثرة ما رآه الدمايطة من وظائف لا يحصل عليها الشاب.. إلا إذا كانت وراءه «واسطة» كبيرة توصله إلى تراب الميرى، رغم أن الدمياطى يعشق العمل الحر.. ولكنه يريد الوظيفة الميرى لتكون سنده «الثابت» فى الحياة.. ثم لينطلق ليزاول عمله «الحر» بعد الظهر.. ليحسن من وضعه المالى.
المهم أن يكون ظهره مطمئناً إلى الوظيفة الميرى.