الرئيس فى تل العقارب!

حمدي رزق الخميس 12-05-2016 21:32

وخاطب الرئيس أهالى تل العقارب، قائلاً: «الناس اللى عايشة فى الأماكن دى مش هنسيبكم أبدا وهنعمل وهنعمل كويس، زى اللى بتشوفوه دلوقتى، ساعدونا وثقوا إن الدولة هتعملكم وهتفى بالوعد، وتوفر المسكن المناسب للمواطن المصرى».

لم يكن يتخيل مواطن مسحوق يعيش على هامش الحياة فى «تل العقارب» بالسيدة زينب أن رئيس الجمهورية سيخاطبه على الهواء مباشرة، ويتوجه إليه من قمة السلطة فى مصر بوعد رئاسى أن ينقذه من الهلاك المحقق خلال عامين، تل العقارب على الأجندة الرئاسية، هذا جيد وحسن.

التوجه الرئاسى إلى تل العقارب وأخواتها العشوائيات لفتة رئاسية مهمة، التفاتة الرئاسة المصرية إلى هذه المناطق العشوائية ببرامج إسكانية وتعليمية وصحية وترفيهية تطلعهم إلى «وش الدنيا»، تحافظ على كرامتهم وتنتصر لإنسانيتهم، وتضعهم فى مسكن لائق، هذا لعمرى ما نرجوه ونقف على حروفه وندعم ما استطعنا إليه سبيلا.

رمزية تل العقارب فى الخطاب الرئاسى تؤشر على فكر يتجه إلى مثلث الأزمة المصرية، الفقر والجهل والمرض، إلى المناطق التى سقطت من خارطة التنمية، سقطت من قعر القفة، كما يقولون، كُتِبَ عليهم الفقر والجهل والمرض، صارت مناطق تصدّر إلى المجتمع العنف والجريمة والإرهاب، إذا سُحِقت كرامة الإنسان تحول إلى وحش يدمر مظاهر الحياة المحروم وأولاده منها.

التفاتة الرئيس والحكومة إلى «الاستثمار فى البشر» جديرة بالتوقف المنصف، الارتقاء بالعشوائيات والتخلص من الخطير منها، لو شئنا الدقة هو «مشروع مصر الكبير»، وإذا كان هناك من يلوم على الرئيس اتجاهه إلى المشروعات كبيرة الحجم مؤجلة العائد ذات الكلفة العالية، هذا أيضاً مشروع كبير الحجم وعائده عاجل وكلفته أيضاً عالية، ولكنه مشروع العمر، مشروع يخاطب المواطن المصرى فى أدنى درجات السلم الاجتماعى.

دلالة هذا المشروع القومى أنه يخاطب المهمشين، ينهى عزلتهم الإجبارية عن الحياة الآدمية، إذا خرجت الدولة بهؤلاء الذين ضن عليهم القدر بأربعة جدران إلى وش الدنيا فعلت خيراً، الدول المحترمة هى من تحترم حق الإنسان فى مسكن صحى، كيف تطلب من مواطن أن يكون مواطنا وهو مدفون على قيد الحياة فى تل العقارب، أو يسكن مقبرة يجاور فيها الأموات فى «مدن الموتى»؟! إنقاذ هؤلاء أولوية أولى لدولة تستحق الحياة.

الذاكرة الحزينة تعى كارثة الصخرة الشهيرة فى «الدويقة» يوم انقضت على الآمنين ليلا لتقبرهم، حسنا الرئيس يطبطب عليهم ويحنو، ويحاسب حكومته قبل أن يحاسبه الناس، نصاً: «بكلم الحكومة من فضلكم خلال سنتين نكون أنجزنا بشكل قوى، ونوضح هل كنا بنحنو على أهلنا كدولة واللا لا؟».

أذكر للسيسى قبل ترشحه قولاً بليغاً: «هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه»، والرئيس هنا يتحدث عن «حنو الدولة»، هذه لغة معتبرة لمن يفهم خطاب الرئيس، تبرهن أن الرئيس يضع نصب عينيه الفقراء، ولا يعيب مصر أبدا أن فى مصر «ناس غلابة قوى أو فقراء دُقة» بالعكس، هذا مصدر إلهام إذا استطعنا إنقاذهم من الفقر والغلب، هذه مهمة جليلة وعاجلة.

صحيح الكلفة ضخمة، تكلفنا كثيرا 14 مليار جنيه لبناء 850 ألف وحدة سكنية محترمة خلال عامين، لكنها مهمة وطنية تستحق كل الدعم، وإذا كانت الدولة تتحمل العبء فى تدبير موارد هذا المشروع فالرسالة إلى رجال الأعمال الوطنيين والأثرياء والميسورين، هذا مشروع يستحق دعمكم وفوائض أموالكم، كل شيكارة أسمنت تنقذ طفلاً وكل ألف طوبة تنقذ ألف إنسان، و«القفة اللى لها ودنين يشيلوها اتنين»، الحكومة ورجال الأعمال، طوبى لمن يضع طوبة فى البناء، وسارعوا إلى الخيرات.