في البيت القديم ذي الطراز الأنيق تعيش سندريلا، الابنة الأكبر والأجمل لأختين غير شقيقتين. تسكنه مع زوجة أبيها وابنتيها بعد وفاة أبيهم ومن قبله أمها. تعمل الأختان في إحدى الشركات الخاصة، وتداوم الأم في وظيفة حكومية، ليظل البيت خاليا على سندريلا من الصباح حتى منتصف الظهيرة.
تبدأ سندريلا يومها مبكرا لإعداد الفطور لهن ومتابعة البرامج التليفزيونية الصباحية. تنجز أعمال المنزل وهي تدير التلفاز، تتابع كل برامج المنوعات والفن. وبين مغادرة وعودة الأخوات وزوجة الأب، ترتدي الفتاة الجميلة بعض ملابس شقيقاتها وتلتقط لنفسها صورا، وتضع من مساحيق التجميل الغالية التي يشترونها، تمتلك شقيقاتها الكثير الذي يشترونه من رواتبهن الضخمة، بينما لا تمتلك سندريلا سوى هاتف محمول ذكي تخبئه تحت وسادتها، وتنفق معظم معاش أمها على شحن باقة الإنترنت الخاصة به! تنشر الفتاة الجميلة صورها بالملابس الفخمة على فيسبوك وأنستجرام. سندريلا شخصية معروفة على شبكات التواصل الاجتماعي، لها آلاف المتابعين على حساباتها في المواقع المختلفة، وهي أيضا عضوة نشطة بعدة مجموعات وصفحات لشخصيات عامة.
في الشوارع ظهرت لافتات كثيرة تعلن عن (حفل الأمير لاختيار العروس الجميل)، وأذاعت الحكومة بيانا عاما ذكرت فيه: «إن الأمير بصفته وريث حكم البلاد قد قرر اختيار زوجته من غير الطبقة الحاكمة، تأكيدا للمساواة الاجتماعية وتعزيزا لشفافية هذه الخطوة». وشرح البيان نفسه «يتم اختيار العروس من خلال حفل كبير تحضره الفتيات غير المتزوجات، يختار الأمير من بينهن خمسة، ثم تنعقد التصفيات ليتم استبعاد اثنتين، ثم اثنتين أخريين، لتصبح الأخيرة الفائزة في التصفيات زوجة الأمير».
صار حفل الأمير موضوع البرامج الحوارية، الجميع- من ضيوف ومذيعين- يمتدح الفكرة التي سوف تجعل الشعب يشارك في اختيار (السيدة الأولى). بل قال مصدر حكومي في مداخلة هاتفية مع واحد من هذه البرامج، إن التصفيات بين المتسابقات الخمس سوف تتم على أساس نسب تصويت الجمهور لهن، من خلال أرقام هواتف معينة، وسيكون ذلك متاحا أيضا للمصريين بالخارج.
سندريلا تعلم أن الأمر لن يكون كما يبدو، هي تفهم جيدا أن المستفيد هو الشركات راعية الحدث ولعلها صاحبة اقتراح إقامة الحفل. أما الأمير، فهو لا يريد الزواج من الأساس، ويكتفي بالدخول والخروج من علاقات بالنجمات في الخارج وبالأميرات في الدول المجاورة. سندريلا تطالع صفحات المشاهير الأجانب، وتعرف ذلك عن الأمير.
قالت شقيقة سندريلا لأمها: «لابد أن نذهب للحفل! ربما لا نكون أصحاب فرصة في الزواج من الأمير، لكن –على الأقل- سوف نقابل أصدقاءه الأقل ثراء، فتفوز إحدانا بواحد منهم». ردت الأم بحسم «لن نذهب، تذاكر الحفل غالية جدا، وأظن أننا لن نعود بشيء، الأفضل أن نذهب إلى حفل النادي الارستقراطي، سيكون هناك أعداد أقل، بالتالي تكن أكثر ظهورا».
لكن سندريلا حسمت أمرها بالذهاب رغم استبعادها فكرة الزواج من الأمير. كان هدف الفتاة الجميلة من حضور الحفل هو مقابلة الشخصيات العامة التي تتابعها على فيسبوك. حسمت سندريلا أمرها بأن تضع كل مداخراتها وكل معاش أمها لهذا الشهر ثمنا لتذكرة الحفل. واختارت من دولاب أخواتها الملابس التي سوف تظهر بها، وقطع الإكسسوار وكل شيء، وقضت الوقت تحدد بدقة لون مساحيق التجميل وطلاء الأظافر، عزمت أن تكون من أجمل الحاضرات.
بعد ذهاب الأم والابنتين إلى حفل النادي الارستقراطي، ارتدت سندريلا ملابسها وأخذت في حقيبتها الصغيرة كل ما يمكن أن تحتاجه في الحفل، ولم تنس هاتفها الذكي، صحيح أنه غير متصل بالإنترنت هذا الشهر، لكنها سوف تلتقط به صورا لها مع المشاهير. لن تضطر سندريلا إلى مغادرة حفل الأمير قبل الحادية عشرة والنصف، لأن أمها وشقيقاتها سوف يركبن قطار المترو في هذه التوقيت وهو آخر قطار يمر بالمحطة القريبة من النادي. وعلى سندريلا العودة وتبديل ملابسها والتظاهر بالنوم قبل أن تدق الثانية عشرة.
قضت سندريلا وقتا طويلا تحملق في الحضور بهدوء، تتذكر من وقت لآخر أن تبتسم. أجهدها ارتداء الكعب العالي فجلست تواصل مراقبتها للناس. كانت مستعدة لكل شيء، فأحضرت في حقيبتها حذاء (باليرنا) المرن، خلعت ذي الكعب المدبب في هدوء وارتدت ذاك.
أخيرا وصل الأمير، تحرك بين الحضور في خيلاء، وبابتسامة ساذجة وقف يقرأ خطابا عن قيمة المرأة ومؤسسة الزواج وتطلعه لمقابلة شريكة حياة. أنهى الأمير خطابه ودعا الجميع للتراقص، ووقعت عيناه على سندريلا، كانت ثابتة في مكانها بسبب تنميل قدمها من طول الجلوس. في رقة مفتعلة اقترب منها الأمير ووراءه عشرات الكاميرات «أيتها الجميلة الخجولة، أدعوكِ للرقص». لم يترك الأمير لها الخيار، أخذ بذراعها. ثم دقت الساعة الثانية عشرة، جرت سندريلا خارج المكان متجهة للمنزل.
بعد أيام جاءت قوة من جهة سيادية إلى منزل سندريلا، سألت الفتاة الضابط «لماذ تبحثون عني؟ لم أرتكب جريمة! وفي كل حال لن يتزوجني الأمير لأن الأمر سوف يتم وفقا للإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة». رد الشرطي: «لست متهمة بشيء، نريدك منك الظهور في الإعلام والحديث عن رقصة الأمير معك، لأن صحف الخارج والمأجورين في الداخل يرددون أن مراقصته لك تمثيلية». اندهشت سندريلا، ثم قالت: «سؤالي الوحيد: كيف عرفتم أنني صاحبة الحذاء؟ أقصد كيف عرفتم عنواني؟». أجاب الرجل :«كنت قد نشرت صورة الحذاء على أنستجرام قبل شهرين، وبتتبع بيانات دخولك على الحساب، عرفنا عنوانك»!.