الواسطة والرشوة.. وأمراض العصر «١-٢»

عباس الطرابيلي الأربعاء 11-05-2016 21:38

لماذا تنفرد شعوب الحضارات القديمة بظاهرة، أو وباء الواسطة.. وأيضاً وباء الرشوة؟ هل لأن تجارب هذه الشعوب التى تعود لآلاف السنين هى التى جعلت الوباءين، وغيرهما، يترسخان فى وجدان هذه الشعوب؟ أم لأن شعوب هذه الحضارات تمت برمجتها مع نظم الحكم الديكتاتورى.. أى الذى يصل إلى حد تأليه الحاكم الفرد.. سواء كان فى مصر الفرعونية.. أو فى الصين واليابان، وشعوب ما بين الهند والصين المعروفة بما يسمى تايلاند وبورما وكمبوديا وحتى كوريا وفيتنام، وكلها عرفت آفة الحاكم الواحد الذى يسيطر على كل شىء.. ولم يكن أى شىء إلا بأمره.. ومن هنا جاءت حكاية «الواسطة» التى توصل رغبات وأحلام المواطن إلى الحاكم، حتى ولو كان عمدة، أو مأموراً، أو شيخ غفر.. وصدقوا حكاية أو جملة قديمة يتداولها الناس فى مصر «أنا عبدالمأمور!».

وإذا عدنا إلى الأدب الفرعونى القديم.. وبالذات الفلاح الفصيح، نجد أن معظم شكاوى هذا الفلاح هى فى معاناته بسبب هذه الواسطة.. وأيضاً اضطراره إلى استمرار تقديم فروض الطاعة والولاء إلى الحاكم - حتى ولو كان على مقاطعة صغيرة.. أو على أحد أحياء المدينة.. وفروض الطاعة عنها - بعد إعلان الولاء التام - هى تقديم ما أمكن مما فى دار الفلاح.. بداية من البيض إلى البط والأوز والقمح والأرز.. إلى الزبد والسمن.. ويا سلام على هدايا الحمام والزغاليل!!

والمصرى- لكل ذلك- مستعد أن يدفع.. ويدفع ليحصل على حلمه.. والحلم فى الغالب هو الوظيفة الميرى.. أى العمل الحكومى.. ووجدنا من يدفع عشرات الألوف من الجنيهات الآن، لكى يفوز بوظيفة محترمة.. عائدها كبير مادياً ومعنوياً.

ولا يشترط أن تكون الرشوة مجرد مبالغ مالية.. بل تتطور الرشوة لتلائم تطورات الحياة.. حتى ولو كانت رشوة دينية، كما وجدنا فى قضية وزير الزراعة الأخيرة، من حصوله مع رجاله على سفريات لأداء العمرة فى الأراضى الحجازية، بعيداً عن قبولها الدينى، أو عدم القبول.. وأيضاً سمعنا عن رشوة بعضوية النوادى.. وهى نوع من الوجاهة الاجتماعية.

أما أخطر هذه الرشاوى- فى كثير من القضايا - فهى الرشوة الجنسية!! ووجدنا ذلك فى طالبات يبحثن عن النجاح فى الامتحانات إما بتسريب الأسئلة إليهن.. وإما بالعبث فى عمليات التصحيح!! وكله يكسب!! والغريب أن هناك من يدفع رشوة ليحصل على عمل - بالتعيين.. أو بالنقل - إلى المجالس المحلية.. إذ فيها الذهب والمرجان.. وافتح يا سمسم.. ولذلك ملكوا - معظهم - الأراضى والعقارات.. وأيضاً الشاليهات فى الساحل الشمالى.. فضلاً عن أحدث السيارات والمجوهرات.. والمرتبات الإضافية!!