موسم المساومات

مي عزام الأربعاء 11-05-2016 21:40

كتاب العادات السبع للنجاح لستيفن كوفى وضع خطوات للنجاح فى الحياة كما فى الأعمال، ومن هذه العادات أسلوب Win-Win، وهو يعتمد على التفكير بطريقة تجعل من الجميع رابحين، وهذا السلوك فى الحقيقة مهم جدا، فلا أحد يستطيع تحقيق النجاح وحده، ولكى تجعلنى أعمل معك بفاعلية، عليك أن تشركنى فى النجاح، وهذه الخطوة تجعلنا نبحث عن نقطة الالتقاء بيننا وليس الخلاف، وهو ما يتيح النجاح لكلينا ويكون مرتكزًا للانطلاق، وبها نحقق نتائج أفضل بكثير مما سيكون عليه الحال إذا اتبعنا سياسة «أنا أربح، ولا يهم غيرى» Win-Lose.

ما أحوجنا لهذا السلوك الآن، فهل نريدها حربًا أم شراكة؟ الحروب تنتهى بغالب ومهزوم، زهو الانتصار فى مقابل مذلة الانكسار، أى عاقل سيقول بالطبع نريد المشاركة، إذن فلماذا نسير نحو المغالبة التى تنتهى بالهلاك أو الانكسار وكلاهما يترك فى النفس مرارة.

الوضع الإقليمى مؤهل لتقبل هذه الفكرة، الكل يجلس على مائدة المفاوضات، مباحثات ومداولات ومجادلات، ووصلت الأمور إلى مرحلة المساومة، وهى لبّ عملية التفاوض، والتى تتلو مرحلة تبادل الآراء بناء على رغبة الطرفين أو الأطراف فى التفاوض على موضوع يشغلهم جميعا، وتجد الأطراف المعنية أنه حان الوقت المناسب لمبادلة الآخر الرأى.

الحرب لم تحسم الأمور فى اليمن ولا سوريا ولا ليبيا، حان وقت المساومة، بعد أن أثبتت التجربة المريرة والخسائر الفادحة أن الأمور لا تسير على ما يرام. الجميع يتحدث عن الأخذ والعطاء بشكل مادى ملموس، وهو أعقد جزء فى التفاوض، فمرحلة الكلام سهلة، قل ما شئت واحلم بالفردوس الأعلى ولكن حين تنزل لأرض الواقع، ستجد أنه ربما ستقبل بالحد الأدنى، كل طرف يقبل المساومة حتى ينتهى الأمر باتفاقية واضحة المعالم يقبل الجميع التوقيع على بنودها والالتزام بها.

سأترك الوضع الإقليمى جانبًا، فما يجرى فى جنيف والكويت وليبيا لابد أن ينتهى هذا العام على أكثر تقدير، السعودية تريد أن تبدأ خطة 2030 الطموحة، وأوروبا تريد أن توقف سيل اللاجئين السوريين وتأمين أراضيها من الإرهاب، وتركيا تتطلع للاستفادة مما حصلت عليه من مكاسب من الاتحاد الأوروبى، وإيران لديها خطة للتحديث والتنمية بعد الإفراج عن أرصدتها المجمّدة، وروسيا أثبتت قوتها وردت على انقلاب أوكرانيا بانقلاب فى موازين القوى على الأرض السورية بتدخلها العسكرى المباشر، وأمريكا منغمسة فى الانتخابات الرئاسية.

ومصر مشغولة بالداخل، الرئيس، طبقا لتصريحاته ليس راضيًا عن الدولة التى لم تصل لمعنى الدولة «فهى شبه دولة»، خراب ممتد لأكثر من نصف قرن من الزمان، لكن هناك فئات أخرى من الشعب غير راضية عن الدولة لأسباب أخرى غير التى يتحدث عنها الرئيس.

ربما يرى السيسى أن الدولة لن تكتمل إلا بإنشاء عاصمة إدارية، وربما الآخرون يفكرون فى أن الدولة الحقيقية هى التى تلتزم مؤسساتها بالدستور والقانون وتمارس الديمقراطية وتحارب الفساد وتحترم حرية الرأى وتتسم بالشفافية.

كيف نصل لنقطة التلاقى ويصبح الشعب بكل طوائفه والنظام رابحين Win-Win كيف يمكن أن نبدأ مفاوضات جادة تجمع بين الآراء المتباينة ليضعوا خريطة لمستقبل مصر لتحل محل خارطة الطريق، لكن هذه المرة يشارك فيها الجميع ويربح منها الجميع.

اقتحام النقابة يمكن أن يكون بداية التفاوض، ليتسع الأمر بعد ذلك ويضم فئات أخرى لها رؤية لمستقبل بلدها، وعلى المفاوضين أن يتمتّعوا بمهارة التفاوض: إجادة التحدث والاستماع، الثقة بالنفس، التحلى بالصبر واحترام الطرف الآخر.

التفاوض الناجح يجب أن يتم فى الوقت المناسب والمكان المناسب، الآن وقته والمكان المحايد سهل تدبيره.

المهم إرادة الفعل وأن تخرج كل الاطراف رابحة، ولا داعى للتنبيه من أن يكون الحوار والتفاوض مع طرفين مختلفين فى الرؤية والرأى، فلا معنى أن يجلس ممثل النظام مع الصحفيين المؤيدين له.

التفاوض والمساومة ليسا عيبًا، العيب أن يتما فى الظلام والخفاء.

ektebly@hotmail.com