شبيه السادات

أحمد الدريني الثلاثاء 10-05-2016 21:52

يتجول المواطن محسن المنسي الشهير بـ«شبيه السادات» في أرجاء البلاد بأريحية تامة وثقة يحسد عليها.

فهو تارة يتفقد الأحداث الكبرى التي تجري على أرض مصر، وتارة يذهب إلى حيث لا يمكن لكاميرا المصورين أن تخطئه في الاحتفالات العامة أو الفعاليات الصاخبة، وتارة في الحفلات الغنائية وتارة أخرى يتسلق سور المستشفى العسكري بالمعادي لتوجيه التحية للرئيس الأسبق حسني مبارك.

وحين تستضيفه البرامج التليفزيونية، يبذل قصارى جهده كي يلوي لسانه في تقليد بائس للفنان أحمد زكي أثناء أدائه لشخصية الرئيس الراحل أنور السادات.

الرجل يرتدي جلبابا وعباءة ويدخن البايب، ويتقمص الحالة الساداتية تمامًا، ويطلق في المناسبات العامة تصريحات تبدو قريبة الشبه مما يمكن أن يصدر عن الماكينة الذهنية للرئيس الراحل.

والطريف في كل هذا هو تسابق بعض الصحف ووسائل الإعلام لنقل تصريحاته والاهتمام بتوثيق رحلاته المكوكية، بشيء من الجد الذي يفوق كمية الهزل في الأمر.

على نحو أكسب الأخبار التي تتناوله شيئا من الجدية والرصانة (قال المواطن محسن المنسي شبيه السادات/ وأكد/ وأشار في سياق مواز/ وعلى نحو مطرد...).

ناهيك عن خبر بائس يفيد بسرقة توكتوك السيد محسن المنسي شبيه السادات من أمام منزله الكائن في قرية سبرباى التابعة لدائرة مركز طنطا بالغربية.

حسنًا لقد تطورت دائرة الاهتمام الخبري لتشمل توكتوك شبيه السادات أيضًا.

وهو هزل يليق بالمشهد العام، حيث لا يبدو أن أحدًا «أصليًا» فيه، بمقدار ما يبدو الجميع وعن جدارة «أشباه».

(2)

في التسعينيات استوقفت إحدى الظواهر عددًا من علماء النفس في الولايات المتحدة.

فقد تكرر ذهاب سيدات إلى مدينة القدس، كن يطفن حول كنيسة القيامة ثم يتجردن من ملابسهن تمامًا وتقف كل واحدة منهن في مشهد درامي مهيب وهي تخاطب السماء وتنتظر شيئا ما مثلما يفعل الممثلون المخضرمون في مسرحيات ويليام شكسبير.

وحين يتم التحقيق معهن، كانت كل واحدة على حدة، تجزم بأنها ستضع بذرة المسيح الجديد، وأنها في انتظار وحي إلهي، يجعلها مريم ويجعل طفلها (الذي لا نعرف من أين سيأتي) هو مسيح هذا الزمان!

افترض المحللون النفسيون أن الأجواء التاريخية والدينية للمدينة ترفع درجة شحن السيدات بمثل هذه النوبات العاطفية الفائقة، وترفع من اعتقاد المرء في نفسه أنه مؤهل لتكرار المعجزة أو لخلقها، لمجرد أنه في محيط مكان جرت فيه المعجزة.

فضلاً عن اليأس العام الذي يجتاح القلوب ويدفع البشر للشعور بأنهم بحاجة إلى «مسيح مخلص» ينتشل البشرية من أوحالها تارة أخرى.

حسنًا، كان هنالك ظرف نفسيٌ ضاغط وهناك مكان ملهم ومحفزٌ على مثل هذا.

وهو نفس ما يجري في مصر بالضبط.. الظرف المواتي والمكان المناسب.

(3)

ربما يبدو مفهومًا أن هذه القصص الفانتازية تحتل المساحات الفارغة التي تركها الجد في وادينا الطيب، حين فارقه ليفسح المجال أمام كل ما هو هزلي و«شبيه».

ربما يقول النفسانيون أن الناس تتشبه بأطياف الماضي وتتشبث بها حين يكف الحاضر عن تلبية احتياجاتها ولو على المستوى الشعوري.

وربما يذهب المراقبون المحافظون أن النكتة بايخة، وأن الإعلام مدانٌ بإفساحه المجال لكل هذا التهريج.

لكن الأكيد أن الأشباه لا يتحركون لولا وجود سياق عام مواتٍ لهم.

أنا شخصيا لا أعرف صوت السيد شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، على وجه اليقين.

يبدو لي رجلا غامضا يقبع في مكتبه يفعل أشياء لا أدريها. ليس عندي ترف الاقتناع به ولا رفاهية معارضة سياساته وتصوراته، هو شخص يكاد يكون غير موجود أصلًا ولا يظهر على الإطلاق منذ توليه مسؤولية منصبه.

وهكذا قس كل مسؤول على سابقيه، ستحس أننا في حالة تردٍ مزعجة، وأن منسوب الكفاءة في الأداء العام، أو فلنقل منسوب الإقناع، يتهاوى بسرعة مذهلة.

بلد بأكمله يطل بلا طعم ولا لون ولا رائحة.

وحتى في المجال العام، خارج نطاق الحكومة والنظام والسياسة العامة، هناك خط تراجع ملحوظ في أداء مقدمي الخدمات عمومًا، من شركات اتصالات لمطاعم لمقاه لأماكن عامة. ذهب الموظفون المحترفون الذين كنا نتعامل معهم قبل زمن قريب وحل محلهم أشخاصٌ لا يملأون كفاءة المواقع التي يؤدون منها الخدمات العامة.

أطباء وصحفيون وشرطيون واقتصاديون وممثلون ومطربون وصنايعية.. لكل مجال ترديه الخاص، والوجوه المتصدرة للمشهد خرجت من نفس الفوهة الهزلية التي خرج منها السيد شبيه السادات بجلبابه بعباءته بالبايب الذي يدخنه.. بكل أدوات الادعاء التافه.