فى موقعة الجمل التى رتبها نظام مبارك لإخلاء ميدان التحرير من المعتصمين إبان ثورة يناير كان الظهور الأبرز لهذه الفئة التى سماها الإعلام مجازا (المواطنين الشرفاء) بينما عبر عنها بدقة الصحفى بـ«المصرى اليوم» أحمد شلبى فى تحقيقه المنشور بتاريخ 5 مايو 2016 بعنوان (حقيقة المواطنين الشرفاء شركاء الداخلية فى حصار نقابة الصحفيين)، حيث وصفهم بـ(المواطنين الشركاء) ونقل كشاهد عيان حوارات دارت أمام عينيه منها (كان لابد أن تسير فى طريق إجبارى صنعه الأمن من وسط هؤلاء المأجورين الذين كانوا يتباهون بالأموال التى حصلوا عليها من أجل الحضور وحصار النقابة، أثناء المرور فى هذا المسار الإجبارى كانت تسير أمامنا سيدة ترتدى عباءة سوداء ومعها فتاة ترتدى عباءة من النوع نفسه، ويبدو أن صلة قرابة تجمع بينهما وربما الجيرة، سمعت السيدة تتحدث مع أحد الضباط قائلة: «نمشى بقى يا باشا ولا إيه إحنا تعبنا؟ فرد عليها الضابط دون أن ينظر إليها ودون أن يخشى من مرور صحفيين بالقرب منه، قائلا: لسه شوية لما أقولك امشى ابقى امشى.. يالا روحى ارقصى»!.
لقطة أخرى رصدها قائلا (بالقرب منهم كان يجلس شابان وفتاة، ويبدو أنهم شعروا بالإرهاق بسبب كثرة الرقص والغناء، جلست بالقرب منهم، فسمعت هذا الحوار: «أحد الشابين يقول: محمد إسماعيل بياخد نص الفلوس ويوزع النص الباقى على الناس اللى بيجيبهم.. هو بيعمل كده كل مرة»، ليرد الشاب الثانى: «يا عم كبر دماغك انت مش هتقدر تقوله كده.. ما هوه اللى مظبط المصلحة دى.. ودول ساعتين وشوية وهنمشى، يعنى ولا خناقة ولا ضرب»، وسريعًا سألتهما الفتاة: «هما مش هيجيبوا أكل؟»، ليرد أحدهما: «قالوا هيجيبوا كشرى كمان شوية»!.
عن نفس المشهد تساءل الكاتب الأستاذ عبدالسناوى قائلا (كيف تدهورت إدارة الدولة إلى مستوى العراك فى الحارات الشعبية؟ لا يمكن الحديث عن دولة قانون فى مصر الآن، فقد استغرقت التحرشات ونزعات الانتقام والكراهية والتحريض الأداء الأمنى العام ما جرى فى شارع عبدالخالق ثروت ينذر بأزمات أكبر فى أماكن أخرى ومخاطر لا سبيل لوقف تداعياتها ما لم يوضع حد للتغولات الأمنية، أغلق الشارع بالحواجز الأمنية، وجلبت جماعات ممن يطلق عليهم «المواطنين الشرفاء» إلى المكان بالمخالفة لقانون التظاهر المعيب الذى تحاكم بمقتضاه مجموعات من الشباب الغاضب.
بدا الاستفزاز فوق كل طاقة لأى صحفى يحترم نفسه ومهنته، سباب يعف عنه أى لسان، واعتداء على كرامة الصحفيات بما لا يصح أن يكتب على ورق، واعتداء جسدى نال من بعض الصحفيين (وهم يتوجهون إلى نقابتهم).
من المهم توثيق هذه الشهادات التاريخية عما حدث فى هذه المواجهة التى بدا فيها أن هناك من داخل النظام من قرر أن يعاقب الشعب بالشعب وأن يغرس بذور الاحتراب الأهلى بين الناس فى توظيف مشين لفقر هذه الفئة وقبولهم لممارسة أعمال بلطجة مقابل حفنة من المال أو وجبة طعام!.
ندق أجراس الخطر من أجل وطن نحبه ونخشى عليه من مآلات دامية يقودنا بعضهم إليها عن عمد وقصد، الخطر الحقيقى الذى يتهدد مصر هو تلك الممارسات غير المسؤولة التى تشعل حرائق قد لا يمكن إطفاؤها، عودوا إلى رشدكم.