هل التجارة السوداء فى الدولار مجرد جريمة مالية؟.. أنا نفسى أراها أكثر من ذلك بكثير.. فهى جريمة أخلاقية، واقتصادية، واجتماعية.. ودينية.. بل هى كل ذلك، وإذا كانت الدولة تجرم - وبشدة - التجارة فى المخدرات، واضطرت إلى تصعيد عقوبة هذا الفعل المدمر، حتى وصلت بالعقوبة إلى حد الحكم بالإعدام - فى حالة الاتجار - والتدرج فى عقوبة تعاطى المخدرات من السجن إلى السجن المؤبد، مع الأشغال العامة.. فلماذا لا ننظر بنفس النظرة إلى «الاتجار فى الدولار»؟! وتعالوا نعدد مخاطر هذه.. وتلك.
ففى الاتجار بالمخدرات نجد أن الخطر عام، يستهدف المجتمع نفسه.. وكل الناس، والمخدرات لا تذهب فقط بعقول متعاطيها ولا حتى بإفلاسهم سعياً وراء «التوهان» المزعوم.. أو وراء الإجادة الجنسية، كما يتوهم البعض.. ولكنها تدمر علاقات الأسر.. والمجتمع كله.. إذ نجد الغنى يضيِّع كل ماله من أجل هذه المخدرات.. وكم من عائلة فقدت أموالها، وعائلها، الذى أضاع ثروته من أجل لحظة أنس توهمها.. ومن هنا كان قرار الدولة الحكم بالإعدام على من يتاجر فى هذه المخدرات، حتى بعد أن وجدت أن السجن المؤبد لا يردع هؤلاء.
طيب.. وما الذى يفعله - حالياً - الاتجار فى الدولار فى السوق السوداء؟ وبعيداً عن مفهوم سوء أوضاع الاقتصاد المصرى.. وخلل السياسة المالية وغياب رؤية اقتصادية واضحة.. أو هدف اقتصادى معين.. نقول إن الهدف هنا واحد، فلا أحد ينكر أن التجارة فى المخدرات هدفها تدمير المجتمع.. ولا ننسى هنا أن واحدة من أشهر حروب التاريخ فى شرق آسيا، كانت هى حرب الأفيون التى أعلنتها بريطانيا على الصين منذ سنوات بعيدة.. حتى لا ينهض شعب الصين، ويحقق نبوءة نابليون بونابرت عندما قال: «ويل للعالم إذا استيقظ المارد الأصفر»!! ثم تلك الحروب المتواصلة فى جمهوريات أمريكا الوسطى، وبعض جمهوريات أمريكا الجنوبية، التى تقودها مافيا زراعة وصناعة وترويج وتجارة المخدرات.. التى تعطى أرباحاً تفوق أى عطاء لأى إنتاج زراعى أو صناعى آخر!! وأصبحت تجارة المخدرات - هناك - تحميها قوات مسلحة بأحدث الأسلحة الجوية والبرية والبحرية.. وتحولت بعض هذه الدول إلى جمهوريات عالمية للمخدرات.
وبسبب هذه المخاطر الرهيبة للمخدرات أصبحت هذه التجارة هى الأكثر ربحية أو الأكثر عائداً فى العالم، حتى رغم الضربات شديدة القسوة التى توجهها الدول المحترمة لمقاومة هذه الآفات الرهيبة.. وللأسف، فإن الدولار هناك - فى إمبراطوريات المخدرات فى أمريكا الوسطى - هو السلعة الأكثر تداولاً.. حتى وصفوه يوماً بأنه «دولار المخدرات»!!
وعندنا فى مصر.. ليست هناك تجارة تربح كما تربح «الآن» التجارة فى هذا الدولار.. ويكفى أن الفرق بين السعر الرسمى للدولار.. وسعره فى السوق السوداء يتجاوز 35٪ من قيمته فى السوق الرسمية.. وإذا كان المثل يقول إن المستهلك هو الذى يتحمل فرق هذه الأسعار.. حتى وإن كان لاستيراد سلع رمضان.. فالمصرى مستعد أن يدفع أى سعر وأى فرق فى سعر أى سلعة يطلبها.. من فانوس رمضان إلى ياميش رمضان.
والآن نجد أن هذا الفرق بين السعر الرسمى للدولار فى البنوك وسعره فى السوق السوداء يغرى أكثر المتلاعبين، أى المتعاملين فى هذا الدولار، وإذا كانت هذه اللعبة بدأت للبحث عن دولارات لاستيراد وتمويل عمليات تهريب المخدرات والتجارة فيها.. حتى شاع اسم «دولارات المخدرات» فإن دولارات الاستيراد الآن تقوم بنفس الدور.. وإذا كان مدمن المخدرات هو الذى يتحمل السعر - مهما ارتفع سعر الدولار - فإن مدمن السلع المستوردة.. هو أيضاً الذى يتحمل فروق أسعار الدولار.. بين الرسمى.. وبين دولار السوق السوداء.. وكلا النشاطين يدمر المجتمع.. بل الوطن نفسه، وإن كانت لعبة الدولار تستهدف أيضاً إحداث موجة غضب شعبية بين الناس.. ليثور الناس بسبب ارتفاع أسعار هذه السلع.. وهو هدف أكثر خبثاً تلعب به الأطراف التى تريد شراً بهذا الوطن.
■ هنا.. لماذا لا نطبق نظرة المشرع الذى يحكم بالإعدام على تجار المخدرات ونحكم بالإعدام على تجارة السوق السوداء فى الدولار.. إذ مادامت التجارة واحدة.. لماذا لا تكون العقوبة واحدة.. وهى الإعدام.
ولكن هذا يشترط - أيضاً - أن تكون لدينا خطة مالية واقتصادية واضحة.. للحد من الواردات.. وزيادة الصادرات لتقليل الفجوة بين الصادرات والواردات.. وبالتالى تقليل تصاعد الطلب على الدولار.
■ وجرِّبوا هذا الاقتراح.. أو لوِّحوا به.. ومن المؤكد أن إعدام تجار الدولار فى السوق السوداء سوف يكون رادعاً لوقف تدهور قيمة العملة الوطنية.. جرِّبوه ولو مرة.. فربما ننجح.. إذ لا يكفى قرار إلغاء تراخيص مكاتب الصرافة.. فما هذه إلا واجهة، أما الأخطر.. فهو ما يتم «تحت الطاولة».