«اشتباك» في «كان».. وفي النقابة «بعضي يمزق بعضي»!

طارق الشناوي الإثنين 09-05-2016 20:54

اشتباك هو عنوان الفيلم المصرى الذي يعرض الخميس القادم في افتتاح قسم (نظرة ما) في مهرجان (كان) وسط حفاوة وترقب الجميع، وأنت تقرأ هذه الكلمة أكون أنا قد شددت الرحال إلى (كان) للمرة الخامسة والعشرين على التوالى، فمن يسافر مرة ويحصل على جُرعة ضخمة من الأفلام ويستنشق عبير تلك الأجواء، يجد نفسه وقد صار درويشا من دراويش شاطئ الريفيرا في الجنوب الفرنسى، حيث يعقد المهرجان، أغادر القاهرة مع الأسف وهناك اشتباك آخر تجرى فصوله على أرض الواقع، أراد البعض أن يحيله إلى صراع بين النقابة التي تضم جموع الصحفيين ورئيس الجمهورية وكأنهم يلقون بماء النار على وجه النقابة المنتخبة من نقيب ومجلس إدارة، رغم أن النقابة لم تطلب من الرئيس سوى الاعتذار عما فعلته وزارة الداخلية، لجوء النقابة للرئيس هو عادة مصرية متأصلة فينا، حتى عندما تتعنت الرقابة في التصريح بعرض فيلم نلجأ للرئيس، فعلها عبدالناصر في (شىء من الخوف) وأنور السادات في (أهل القمة) وحسنى مبارك في (الجردل والكنكة)، النقابة رأت أن كرامتها المهدرة تستحق اعتذارا من الرئيس عن وزارة من الوزارات السيادية هو الذي يختار وزيرها، فهل يعد هذا تطاولا على مقام الرئيس.

فيلم اشتباك شاهدته قبل أسبوعين نسخة عمل، أي أن التفاصيل الفنية غير مكتملة في الصوت والصورة والمكساج- مزج الأصوات- ولكن أستطيع أن أقول بضمير مستريح وفى انتظار بالطبع أن أتناوله بما يستحقه في مقال خاص أننا أمام شاشة سينما تملك سحرا وتألقا وأن الفيلم الذي تجرى أحداثه بعد ثورة 30 يونيو في الأيام القليلة التي واكبت الثورة مع تواجد نوع من القلاقل في الشارع المصرى مع حرص الفيلم سياسيا على الانحياز للثورة، ورفض أن يحكمنا فصيل سياسى مرفوض من أغلبية المصريين لأنه يريد أخونة مفاصل الدولة، متجاهلا أن مصر دولة مدنية، ويحرص أيضا الفيلم على التأكيد أن من يعتنق الفكر ليس بالضرورة عدوا مبينا لنا، طالما لم يرفع السلاح، نرفض أفكارهم لكن لا نذبحهم على أفكارهم، الفيلم تجرى أحداثه داخل عربة الترحيلات، يقدم في لقطات متعددة كيف أن مظاهرات الشارع لم تكن تدرى من العدو ومن الصديق، فكانت مظاهرات تغنى (تسلم الأيادى) وتردد (الجيش والشعب ايد واحدة) ورغم ذلك يرشقون الشرطة بالحجارة، بينما هناك قناصة من الإخوان يحاولون اغتيال الفرحة، ويقتلون الجنود، وعربة الترحيلات تنحاز في جزء منها للشرطة ويشير عدد من أفرادها إلى القناصة حتى يتنبه الجنود، العربة تضم كل الأطياف والفيلم لا يدين أحدا، ويُظهر الجانب الإنسانى لدى جنود وضباط أمن الدولة، تبدو الواقعة في جانب منها وكأنها تستعيد ما كتبه الكاتب الكبير جلال الدين الحمامصى عن واقعة في الستينيات صارت فيلما في نهاية السبعينيات (إحنا بتوع الأتوبيس) إخراج حسين كمال والذى تناول كيف أن أمن الدولة يقبض عشوائيا على الناس ولا يفرق بين شيوعى وإخوانى أو من هو ليس شيوعيا أو إخوانيا.

قيمة الفيلم بعيدا عن الشريط السينمائى أنه يؤكد أن لدينا مبدعين استطاعوا أن يفكوا شفرة مهرجان (كان) وليس فقط يوسف شاهين وتلميذه يسرى نصرالله، الذي شارك أكثر من مرة في المهرجان. الفيلم يصنع حالة من التصالح مع الجميع، شرف للسينما العربية كلها أن يقف مخرجنا محمد دياب ومعه فريق العمل في الفيلم نيللى كريم وهانى عادل وأحمد مالك وغيرهم، ويستقبل على السجادة الحمراء بكل الحفاوة عندما يفتتح هذا القسم الهام في المهرجان، وهو ما سبق مثلا في عام 99 وكنت حاضرا أن حققه يوسف شاهين عندما افتتح قسم (نظرة ما) بفيلم (الآخر)، ومرة أخرى في 2004 كان ختام (نظرة ما) بفيلم (إسكندرية نيويورك)، دعونا ننتظر العرض لنكمل عندما تكتمل الصورة في فيلم (اشتباك).

لنتوقف أمام هذا الاشتباك في نقابة الصحفيين بين مصريين ومصريين، هل تجدون شيئا مشابها مع ما يجرى في نقابة الصحفيين، أن تقف الدولة ممثلة في وزارة الداخلية ضد النقابة، وأن تواجه النقابة هذا العنف غير المبرر من الداخلية الذي يبدأ باقتحامها واقتياد زميلين، القفز فوق القانون خطيئة وقعت فيها الداخلية في عهدها الحالى، لا ينكر منصف أن رجال الشرطة البواسل يضحون بأرواحهم لحماية المصريين، ولكن على المقابل زادت التجاوزات الفردية في الأشهر الأخيرة مما يجعلنا نطالب بالبحث عن تلك العقيدة التي تجعل بعض رجال الشرطة يمارسون كل هذا العنف، من الذي يدفع بالأزمة إلى أن تُصبح مواجهة بين الرئيس والنقابة، الوجه الآخر للصورة هو أن نجد أمامنا حربا أهلية بين صحفيين وصحفيين، وأن يتشكل مجلس من الحكماء هكذا يطلقون عليهم، وبين الآخرين غير الحكماء أو في عرفهم متهورون، هناك من يريد تصدير صورة زائفة عن الصحافة العدو المتغطرس ونسج صورة ذهنية للصحفيين باعتبارهم مجموعة من الخارجين عن القانون، هل ننسى سلم النقابة الذي كان أهم منبر للحرية في زمن مبارك ولعب دورا في التمهيد لثورتى 25 و30، وفى عز حُكم الإخوان، تابعنا كيف أن جبهة الدفاع عن حرية الإبداع، والتى واجهت تغول الإخوان ودافعت عن قدسية الحرية وتعددت المواقف، ولكن البعض يريدها حربا أهلية داخل جسد الصحافة الواحد، لنشعر أننا جميعا وعلى منوال شاعرنا كامل الشناوى (بعضى يمزق بعضى)!!.