يا مثبت العقل يارب. شاهدت فيلما تسجيليا طويلا، يمجد جمال عبدالناصر، أخرجته أمريكية، ويعرض ولأول مرة بواشنطون، ومن إنتاج شركة أفلام أمريكية (تمولها قطر) وقام برعايته، بين رعاة، سفارة دولة قطر في أمريكا؟. بعد البسملة والحوقلة كان لزاما أن أسأل: ليه؟ وبإمارة إيه؟.
لم أكن وحدى- في يوم الأحد 17 إبريل الماضى – بمجمع دور عرض اسمه «لاند ماركس ستريت»، فقد كنت ضمن 45 مصريا تمت دعوتهم خلال وجودهم بواشنطون، إلى حفل افتتاح فيلم (جمهورية ناصر.. بانى مصر الحديثة) .
لا شىء يؤخذ على الفيلم، اللهم إلا المبالغة الظاهرة في الإعجاب بناصر وتفادى النقد، بما فيه ما يقبله العقل وتؤيده الشواهد والحادثات واستقر فى يقين من يقدرون ناصر، وأنا منهم، قبل كارهيه.
أتلك فرط عاطفة قطراوية، من أهم المتهمين بتمويل حملات يسقط حكم العسكر، طفحت فجاة تجاه الزعيم... العسكرى؟.
تضمن الفيلم تليينات مبطنة، للعقل المصرى المتوثب، لصالح الإخوان لكن يمكن التساهل معها أيضا فهذه ليست القضية.
تحدث في الفيلم الدكاترة هدى عبدالناصر وجلال أمين وجودة عبدالخالق وتوفيق اكلمندس والدكتور الإخوانى فريد عبدالخالق (رحمه رب المرحمة)، وشريف يونس والشاعر زين العابدين فؤاد، ونقابيين يساريين وناصريين، من كفر الدوار ومن النوبة / أسوان، والصناعى عادل جزارين، والكاتب الصحفى هانى شكر الله، وأستاذ تاريخ إسرائيلى، ووليام كوانت، وغيرهم. استعرض الفيلم كل مراحل تاريخ عبدالناصر تقريبا، مع تركيز على فترة بناء الصناعة وبناء السد العالى والوحدة مع سوريا- وفشلها- ومنح حق التصويت للمرأة، وهزيمة 67، وناقش أزمة الديمقراطية في الحكم الناصرى وتوابعها، برفق، وأظهر التقدير الجماهيرى الخرافى لناصر في كل المواقف، متضمنة تلك التي كان يتعين على الجماهير أن تسائله فيها، ونوه إلى أن الجماهير التي هتفت للسيسى بعد 3 يوليو تشبه الأولى كإرث مصرى (عبادة الفرعون). لمس ذلك أيضا برفق شديد.
الفيلم إذن مقبول وجيد إخراجيا وتصويريا وموسيقيا، بغض النظر عن العيوب المعروفة في نوع الأفلام الذي يريد قول كل شىء.
جال بخاطرى أن كل تلك الطبطبة الفنية محسوبة بدقة وليست عفوية، وتمت بدهاء ولغرض، وأنها تسير على هدى نموذج برم عقل المشاهد الذي بدأت به الجزيرة في 1996 بكثرة الحديث عن فلسطين والقدس، والإكثار من استضافة القومجية والناصريين (هل كانوا كلهم يجهلون؟)، وأفلام الحرب الأولى والثانية، وحزب الله وبطولاته، والمؤثرات الصوتية والموسيقية إياها تتن تتن تتن، وانتهى كل ذلك إلى أن نكتشف أن الجزيرة ممر تركي إسرائيلى أمريكى، بلا رسوم، إلى الشرق الأوسط الجديد «نوفى».
ما علاقة فيلم ناصر بذلك؟ أخشى أنه بعد أن جربت قطر السلاح النووى القرضاوى لاختراق الوجدان المصرى وتتويهه لخمسة عشر عاما، وبعد السقوط المدوى لمدرسة إسلام حلف الناتو القرضاوية، تريد أن تجرب مدخلا آخر إلى وجدان الناس ببلادنا. خرجت قطر من المولد الإقليمى بلا أي حمص أو حلاوة، وبعد أن أنفقت نحو 20 مليار دولار لشراء دور توهمت أنه دان لها بفلوسها، وصدقت أن الكبار بما فيهم السعودية، لا يمكن لهم تجاهلها في سايكس بيكو الجديدة، ثم اتضح لقادتها الحقيقة القاسية: قطر طفل سفيه يلعب بالنار في مصنع للقنابل الاستراتيجية وذلك عند الأكابر محظور محظور.
فهل تجرب قطر مرة أخرى أن تستخدم ناصر نفسه ليعود المصريون إلى تقبلها أو ليصفحوا عن أفعالها الإجرامية؟. ناصر الروح والزمن والفن والانتصار والانكسار لايزال- رغم كل شىء- يهز القلوب والعقول وليس الحناجر فقط. لكن هل يمكن أن ينجح ناصر حقا في دور القرضاوى؟.