من وحى احتجاجات الصحفيين وزيارة الفرافرة :حصاد القمح و«حصاد الحريات»

محمد السيد صالح السبت 07-05-2016 21:37

وجدت فى عقلى أكثر من عنوان وأكثر من مدخل لهذا المقال، غير أنى حسمت الأمر مع تذكُّرى انطباع زوجتى وأنا أبلغها، مساء الأربعاء الماضى، بأننى مسافر إلى الفرافرة ضمن الوفد الصحفى والإعلامى الذى تمت دعوته لحضور إطلاق السيد الرئيس إشارة البدء فى حصاد محصول القمح، فى أولى قرى المليون ونصف المليون فدان بالفرافرة. تهكُّم زوجتى لم يخلُ من ابتسامة وسؤال مُركَّب: كيف تأخذون هذا الموقف فى «النقابة»، وتوافق على بيان يتضمن هجمة تصعيدية ضد مؤسسات الدولة وضمنها الرئاسة، ثم تتقرَّب من هذه المؤسسات الرسمية فى اليوم التالى، بل تشارك فى زيارة على قمتها الرئيس بنفسه، الذى تم تصوير أزمة الصحفيين على أنها تحدٍّ شخصى له ولإنجازاته؟!

أما المدخل الثانى الذى وددت أن أبدأ به هذا المقال فاستدعته ذاكرتى، التى تشغل الصحافة الجزء الأكبر منها، فتشغلها صور الرئيس الأسبق حسنى مبارك وهو يزور المشروعات العملاقة، تذكَّرت- بالتحديد- صورة مبارك فى توشكى، ولمن لا يتذكر هذه الصورة التى كان لها هدف دعائى محدد، وهى من إبداعات صفوت الشريف، وزير الإعلام الأسبق، أمين عام الحزب الوطنى أيضاً، كان مبارك خلال جولاته مع المسؤولين والإعلاميين تُعطَى الأوامر للجميع بأن يتراجعوا ليُترك وحيداً فى منتصف الكادر (الفوتوغرافى والتليفزيونى) ومن حوله امتداد الأرض الزراعية باللون الأخضر. ذهب مبارك، وذهبت معه هذه الصورة، وبقية صوره.

أسقطه ملف التوريث وأسقطه أيضاً عدم تعاطيه الإيجابى مع ملف الحريات العامة. كانت سمعة مصر الدولية سيئة للغاية فيما يتعلق بالاعتقالات والتعذيب، بل وصل الأمر لأن يتم التعذيب بالوكالة لمتهمين من دول أخرى.. حين ثار الشعب على «مبارك» كانت لديه خطةٌ طموحٌ فى تنفيذ المشروعات العملاقة، خرج المصريون ضده ونسبة النمو السنوى فى موازنة 2010 تجاوزت الـ5%، بل إن البعض يترحَّم على حنكة وموهبة وزير ماليته يوسف بطرس غالى، ويقارنون بينه وبين 7 وزراء تالين للمالية لم يحققوا إنجازاً يُذكر. الوضع الآن مختلف، والتحديات مهمة، ولكن ما أريد أن أصل إليه هو أن الأصل فى إنجاز أى قيادة لا ينبغى فصل المكونات السياسية فيه عن المكونات التنموية. والسياسة هنا، أقصد بها احترام القيادة للشعب وفهمها طبيعة اللعبة السياسية، وأن الخلاف السياسى ليس خيانة، وأن تنفيذ الدستور وإعمال القانون ينبغى أن يسود.. والمهم أن الشعب الذى قام بثورتين ورفض ديكتاتورية مبارك وغباء الإخوان يستحق نظاماً يُفهمه طبيعة المرحلة، وذلك ليس مِنَّة ولا تكرُّماً من أحد ولكنها طبيعة السياسة.

سيدى الرئيس: أنا من الذين يصدقون أن جزيرتى تيران وصنافير سعوديتان، وقد كتبت ذلك أكثر من مرة، وقلته فى أكثر من فضائية، ولكننى أرفض قيام الأمن باقتحام نقابة الصحفيين للقبض على زميلين، وذلك بالخروج على القانون، وفى سابقة تحدث للمرة الأولى فى التاريخ الصحفى.

سيدى الرئيس: أنا لا ألوم وزير الداخلية فى هذا الأمر، ليس لتعاطفى معه ولا حباً فى أدائه، ولكن لأنى أعرف جيداً أن قرار الاقتحام أكبر من إمكانياته. هناك من حولك سيدى الرئيس مَنْ يريد أن يعطى صفعة قوية لأصوات فى الجماعة الصحفية عارضت الموقف الرسمى بشأن الجزيرتين، هذه الأصوات تصورت أنها قادرة على إذلال الأسرة الصحفية. استخدمت الأصوات «الصديقة» لشق الصف.

انظر سيدى إلى المقالات التى يكتبها كبار الصحفيين المحسوبين على تيار 30/6. أعرف أنك تحترمهم وتقدرهم وتقرأ لهم. كثير منهم فى صحيفتنا «المصرى اليوم». لن تجد فيها أحداً يؤيد واقعة اقتحام النقابة. لقد نجح رجالك فى شق الصف أكثر مما فعله أى معارض آخر، بل أكثر مما فعله الإخوان أنفسهم. لا تصدق سيدى الرئيس هذه الكتائب الإلكترونية التى تُخوِّن الجميع، فهى مأمورة ومأجورة، وكلنا نعرف كيف تعمل.

اقرأ سيدى الرئيس تقاريرنا الصحفية عن «المواطنين الشرفاء»، وصدِّقنى فهى صادقة وحقيقية، لقد آلمنى سيدى الرئيس أن يرفع مأجورون وبلطجية وسوابق صورك، وفى نفس الكادر صور أحذية وإشارات بذيئة بالأيدى يعاقب عليها القانون موجهة للصحفيين. أدعوك سيدى الرئيس لأن تطلب هذه الصور وهذه الفيديوهات، وتسأل: من استدعى هؤلاء؟ ومن دفع لهم؟ وما الرسالة المقصودة من هذا المشهد؟ ومن وافق على رفع صورك فى هذا اليوم؟

سيدى الرئيس: شغلتنى الأيام الماضية عدة أسئلة إضافية، بعضها يتعلق بالإدارة السياسية بشكل عام، وبعضها متعلق بإدارة هذه الأزمة بالتحديد، وناقشت بعضها مع الزملاء، وتوصلت إلى قناعة واحدة؛ هى أنك تعمل وحدك، الجميع إما صامت، أو لا يعمل، أو لا يريد أن يعمل.

آخر مسؤول كان يتحدث فى الشأن العام وللرأى العام كان رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، وبخروجه انحصر القرار السياسى فى «الرئاسة». لن يجرؤ أحد على التدخل لحل أزمة مع نقابة أو وزارة أو هيئة دون «إرشاد رئاسى».

لقد طلبت من زملائى محررى الرئاسة معلومات عن الأجهزة الاستثنائية التى تعمل إلى جوار الرئيس، ولم نسمع لهم طوال الأيام الماضية، وهم من كان ينبغى أن ينصحوا الرئيس بشأن التعامل مع أزمة نقابة الصحفيين. وسألت الزملاء: لماذا لا يخرج اللواء أحمد جمال الدين، المستشار الأمنى للرئيس، وهو على كفاءة رائعة وله خبرة ومصداقية لدى الجميع، ويتحدث عن أى وساطة؟ مثله فى ذلك مثل السفيرة فايزة أبوالنجا، مستشار الأمن القومى للرئيس، التى كان ينبغى أن يوكل إليها ملف ريجينى من البداية، وكذلك ملف سد النهضة، وهى للعلم لها خبرة دولية وإقليمية رائعة ولها علاقات أفريقية مميزة ودافئة. لن أسأل عن اجتماعات بقية الهيئات الاستشارية فأنا أعلم أنهم لم يجتمعوا منذ شهور طويلة.

سيدى الرئيس: أنا شاهد على إنجازاتك، فى الفرافرة، وأنت تتحدث عن تفاصيل المشروعات الستة وتركتنا وبشَّرتنا بإنجاز ضخم فى الطريق، لم أفوِّت الفرصة وطلبت من زميلتى داليا عثمان أن تسعى وراء مصادرها الرسمية والإعلامية للحصول على سبق صحفى. وقد كنت من الذين يرون أن هناك مبالغات إعلامية ومالية حدثت فى مشروع قناة السويس الجديدة، لكن مع زيارتنا وهيئة تحرير «المصرى اليوم» إلى المشروع بدعوة شخصية من الفريق مهاب مميش وشرحه حول مستقبل المشروع وجدواه الاقتصادية على المستوى البعيد غيَّرت قناعتى. وكذلك معى كل الزملاء، ورغم ذلك عندما سألنى مذيع «صباح الخير يا مصر» على الهواء مباشرة من الفرافرة، وفى الخلفية حقول القمح وكذلك المنصة التى شهدت تشريفكم بعد دقائق، قلت: إن مشروع المليون ونصف المليون فدان أعظم بمراحل من مشروع قناة السويس، وهو كلام قلته فى أكثر من فضائية وأسجله هنا. لكن أعود لنفس القضية الإشكالية التى أركز عليها هنا، وهى أن «الحريات» لا تقل أهمية عن التنمية.. لا مستقبل بلا حريات.

دروس المنطقة تؤكد ذلك، ودروسنا المحلية هذا هو عنوانها الرئيسى.

سيدى: انظر إلى ما زرعته أنت وحكومتك فى حقل الحريات طوال عامين، وحدد خطوتك القادمة، لتحصد خيراً كما حصدت القمح.