تتراكم القرائن والأدلة واحدا بعد الآخر على غياب الرؤية السياسية والحصافة لدى أهل الحكم فى إدارتهم للكثير من الملفات الساخنة هنا أو هناك. فمسؤولية الحاكم تتلخص فى إيجاد حلول للأزمات والمشكلات. وليس إضافة المزيد منها على عاتقه وعاتقنا. إما بالمكابرة والعناد أو بالعجز والقصور.
وعلى سبيل المثال لو أننا أخذنا بالحل السياسى لمشكلة الصحفيين المطلوبين لجهات التحقيق بدلا من الحل الأمنى الذى بدا كما لو كان استعراضا للقوى بهدف الإذلال والتحقير. لما وصلت الأزمة بين الصحفيين والسلطة إلى ما وصلت إليه من احتدام بات يهدد كل الأطراف بإضافة المزيد من الخسائر على كاهل الجميع. ولو كان النائب العام أو وزير الداخلية بادر بالاتصال بنقيب الصحفيين طالبا منه مصاحبة المطلوبين هو أو الممثل القانونى للنقابة للمثول أمام جهات التحقيق تنفيذا لأمر الضبط، لكان ذلك كفيلا بإثبات حسن النوايا والرغبة فى الحل وليس الترصد ودفع الأمور إلى الصدام كما حدث. ولو كان نقيب الصحفيين من جهته قد بادر وبعد علمه بأمر الضبط بمصاحبة المطلوبين إلى جهات التحقيق والسعى لديها لتوفير الضمانات القانونية لمحاكمة عادلة ومعاملة إنسانية.
لما وصلت الأمور إلى ما نعانى منه الآن. أما وأن قد حدث ما حدث، فلم يعد أمام طرفى الأزمة الآن سوى الاحتكام لرئيس الجمهورية الذى ما كان ينبغى له أن يتجاهل ما حدث فيؤثر السكوت وهو يرى ألسنة اللهب تتصاعد إلى العنان لتطاله هو أكثر من الجميع. مستجيبا لآراء البعض من بطانته بأن تدخله فى الأزمة ينال من هيبته الرئاسية. أو يجعله طرفا فيها. بينما باتت هيبته فى الواقع مهددة بالمساس لموقفه السلبى الذى اتخذه مكتفيا بالفرجة على ما يحدث دون تدخل إيجابى لحسم الأمور.
أما وأن ما حدث قد حدث. فلم يعد أمام السيسى الآن إلا أن يدعو مجلس النقابة ووزير الداخلية لاجتماع مشترك لتصفية الأجواء والعودة إلى تحكيم العقل، حفاظا على المصلحة العليا للوطن. ذلك مع إصدار بيان رئاسى يعيد فيه الرئيس الاعتبار للصحفيين مؤكدا على دورهم الوطنى لخدمة المجتمع ومؤسسات الدولة.
أما القول بأن الرئيس لم يكن يعلم كما ردد البعض التماسا لتبرئته لم تعد حجة مقبولة بعد أن علم القاصى والدانى وصمت الآذان أصوات الانفجار ودويها الهائل. يا سيادة الرئيس تفاقم الأزمات وتزايد وتيرتها مؤشر واضح على أخطاء فى الإدارة وقصور فى الرؤية وغياب المنهج. ولا بد من وقفة مع النفس. ومع كل من تسبب – بحسن النية أو سوئها – فى وصولنا إلى هنا، لتصحيح المسار حفاظا على الوطن من أخطار تقف على عتباته تتحين الفرصة للاقتحام فتشعل النيران فى جنباته. الآن وليس بعد برهة قد تكلفنا الكثير!