غادة على صفيح ساخن.. لماذا اختشى الجمهور وأحجم عن «اللى اختشوا»؟

طارق الشناوي السبت 07-05-2016 21:59

(اللى اختشوا ماتوا)، ولكن الجمهور الذى يذهب لدار العرض ولا يضن بثمن التذكرة على الفيلم حتى لو كان مجرد توليفة تجارية، هذا الجمهور لا يزال حيا يرزق وفى نفس الوقت لم يفقد حياءه بعد، وأتصوره قد حسم موقفه مبكرا فاختار الابتعاد عن التعاطى مع الفيلم، وهو بالمناسبة برغم تصنيفه فوق 16 فهو لا يخدش الحياء بقدر ما يجرح ويخدش ما هو أهم، روح السينما، وهكذا صَنع الشريط السينمائى مساحة من البرودة مع الناس، صار هناك شىء من اللامصداقية على الشاشة، فهرول الجمهور بعيدا.

تستطيع أن تقرأ فى البداية عاملين لعبا دور البطولة فى تنفيذ الفيلم كمعادلة اقتصادية، الأول هو اسم غادة عبدالرازق، والثانى هو البحث عن صدمة ربما تجذب الجمهور، نبدأ بغادة، إنها الورقة الرابحة والمشروع الذى صار على مدى 7 سنوات على الشاشة الصغيرة له تواجده حتى لو تعثرت فى آخر عامين، فهى لا تزال داخل الدائرة الأولى بين نجوم الصف الأول القادرين على جذب الفضائيات للمشاركة فى التسويق، وتستطيع أن تتحمل بمفردها تبعات البطولة، بالطبع هى تملك العديد من الأوراق عندما يُصبح الأمر متعلقا بالتليفزيون، تختار السيناريو والمخرج وتشارك أيضا فى تسكين الممثلين وتزكية الفنيين، التعثر الذى واجهته مؤخرا لم يسحب منها بعد كل الأسلحة التى تؤكد أنها صاحبة الكلمة الأولى وبيدها لا تزال العصمة ومعها مفتاح الشقة، بينما فى السينما لا تملك سوى فقط مفتاح غرفتها، فهى لم تنجح حتى الآن فى الامتحان الرقمى الذى يمنح النجوم سطوة على كل المفردات، وفى كل امتحان تُخفق فى الحصول على مجموع من الإيرادات يتيح لها ذلك، وكما هو معروف عند الامتحان وأمام شباك التذاكر، يكرم النجم أو يهان، وهكذا تظل يدها مغلولة، وهذا لا يمنع من أن تتحمل هى القسط الوافر من الانتقادات فى حالة الإخفاق. العامل الآخر الذى أراه لعب دورا مؤثرا فى حالة الفيلم وهو ما حرص عليه منتج الفيلم من جانب وأيضا المخرج إسماعيل فاروق، وأشهر أفلامه (عبدة موتة) الذى أحدث بالفعل نقلة فاصلة فى تدشين محمد رمضان كنجم شباك استثنائى، كان الهدف هو البحث عن صدمة المشاهد، من خلال الموضوع وقبلها العنوان، الذى يحمل ولا شك اندهاشا وصدمة، وكأنه يوجه دعوة مباشرة إلى جمهور بأن يترك الخشية والحياء جانبا، صحيح أنه مثل جار على كل الألسنة إلا أنه كما قُدم فى الفيلم يريد أن تصل الرسالة قوية بأن أسوأ اتهام يوجه لامرأة وهو الدعارة عليها أن تواجهه وتتحداه، كان هذا هو الفيلم نظريا، بينما على أرض الواقع لم ينجح فى الحقيقة لا اسم النجمة ولا صدمة العنوان ولا جرأة الموضوع فى تحقيق أى قدر من السخونة بين الجمهور والشاشة. فكان التراجع الرقمى هو الإجابة وهو أيضا العنوان.

يتساءل البعض ما هى علاقة نقد الفيلم بالرقم الذى يحققه الفيلم؟ نعم المفروض أن تقرأ الشاشة بعيدا عن الإيرادات وذلك عندما نكون بصدد فيلم سينمائى بالمعنى الحقيقى لكلمة سينما، حيث نجد هناك رائحة فقط ولا أقول طموحا على مستوى اللغة السينمائية، بينما تلك الرائحة غابت تماما، وصارت محاولة الجذب لا تتجاوز اللعب بصور النساء على الأفيش، الفيلم لا نُطلق عليه سينما المرأة، صحيح سبع نساء يتصدرن المشهد ولكن غابت السينما، كما غابت أيضا قضية المرأة.

الجمهور أعلن كلمته بأسرع مما توقع الجميع، فلم تٌجد الدعاية، ولا تصنيف فوق 16 كان له معنى، الشريط به شىء من العنف، وقدر من الدماء ومشهد هنا وإيحاء هناك، وكأنه يريد أن يقول فى النهاية لا تحتاج المرأة لمن يظلمها ويترصد لها فهى تستطيع بدون مساعدة من أحد أن تتفوق على نفسها فى هذا الشأن .

هل فقدت المرأة قدرتها على الجذب الجماهيرى فى السينما أم فقدت قدرتها على الاختيار؟ شباك التذاكر لا يعترف بالفيلم الذى تلعب بطولته امرأة بعيدا عن هل الشريط السينمائى جيد أم ردىء، بنسبة ما ربما أجد هذا الكلام صحيحا، ولكن الاستسلام له يشكل خطورة أكبر، صار الرجال فى العشرين عاما الأخيرة هم الأبطال والمرأة (وردة فى عروة الجاكتة)، وهذا التعبير أطلقته يوما فى واحدة من مقالاتى على صفحات مجلة (روزاليوسف) والتقطته وقتها واحدة من أكثر بنات جيلها موهبة وهى المعتزلة حنان ترك لتصف حال النساء فى السينما، بل وجهت عتابا شديد اللهجة للنجوم الرجال من جيلها الذين عندما تتاح الفرصة للمرأة كبطلة، يتقاعسون عن الوقوف معها فى العمل الفنى، نعم ظهرت منى وحنان كعنوان لهذا الجيل لتصبحن جزءا من حالة السينما عندما بدأت التغيير قبل نحو عشرين عاما، وبعدهن بسنوات قلائل حلا شيحة ثم تتابعت الأسماء، وأتيحت لهن وعلى استحياء عدد من البطولات فى ظل تسيد نجوم الكوميديا مثل هنيدى ثم سعد ثم حلمى العرش، كما أن (الجانات) السقا وكريم وعز، كانوا بحاجة لدور نسائى بجوارهم، ولا أقول مواز، بين الحين والآخر شاهدنا محاولات لمنى زكى، كما أن ياسمين عبدالعزيز لها فى كل عام تقريبا تجربة سينمائية، ولكن لا منى ولا ياسمين ولا غيرهما حققن حتى الآن الرقم الذى يعنى على مائدة المنتجين أن هناك مشروعا يُدر الأرباح على شركات الإنتاج.

الأمر بالطبع لا يقتصر على جيل منى، فلدينا من الجيل الأسبق غادة عبدالرازق لا تتوقف عن المحاولة، لها فى السنوات الأخيرة فيلم كل عام، وتضع دائما أمامها هدف الشباك، فلم تستطع لا هى ولا الست نساء اللاتى يشاركنها البطولة تحقيق أى رقم يُذكر.

القوة الفاعلة فى السبع نساء هن غادة وعبير صبرى وهايدى كرم حيث يلتقين فى بنسيون خالة غادة التى أدت دورها سلوى خطاب، وكانت راقصة سابقة، أراد السيناريو أن يبحث عن مبرر لكى تقيم غادة عند صاحبة البنسيون فهى أصغر خالاتها،، غادة لها حكايتان مع طليقها أحمد صفوت الطبيب الذى وقفت بجانبه وهى كما يقدمها السيناريو الممرضة الشاطرة، ولكنه استغلها مرة فى تهريب أدوية مخدرة من مستشفى حكومى ليزج بها إلى السجن وورطها مرة أخرى فى قضية دعارة، الدافع أنه أنجب منها طفلة ولم يكن سعيدا بأن ابنته أمها ممرضة، فقرر أن يشارك مع أحمد محمود عبدالعزيز الذى يؤدى دور تاجر الملابس يقطن فى العمارة التى بها البنسيون لتلفيق تهمة دعارة للسبع نساء، وتتعدد الأفكار فى الفيلم أو شطحات الكاتب محمد عبدالخالق ليصل إلى تلك الذروة والتى تشارك فى تنفيذها عبير صبرى، التى تعمل فى دار للمساج وتتورط فى علاقات مشبوهة مع الرجال وهى الوحيدة التى تمارس الانحراف، ولهذا من أجل الحصول على 100 ألف جنيه، تفتح باب البنسيون لرجال يأتون بملابس داخلية، وأيضا بملايات من أجل أن يتم ضبط النساء فى تلك القضية، وعلى الجانب الآخر ينبغى أن تصبح الشرطة التى تقبض عليهن فى تلك اللحظات جزءا من اللعبة حتى يتوفر عنصر التلبس، اللعبة غير مصدقة، ولكن يبدو لى وكأن الكاتب وضع أمامه ذروة قضية الدعارة فقرر أن يبنى من أجلها شخصيات وأحداثا، وأن يتحرك فى الزمن السينمائى بطريقة الزجزاج، يتقدم ويتأخر من أجل أن يحكى فافتقد السرد التلقائية والبساطة بتعدد الانتقالات الزمانية (رايح جاى)، من بين السبعة تتوقف أمام هيدى كرم المولعة، بالسينما، وتكتشف أن هناك ثمنا يجب أن تدفعه من أنوثتها، حتى تحصل على الفرصة، فترفض وتتحايل ويصبح كل أملها أن تظهر فى برنامج يقدمه مفيد فوزى لتحقيق الشهرة، هايدى أراها من المظلومات فى السينما ولم تحصل فعلا على فرصتها ولكن هذه الفرصة محسوبة عليها، لا تملك كمشاهد التعاطف مع أحد، وتأتى النهاية التى بها روح (الفانتازيا) حيث يتم الاحتفاظ برقم 7 نساء مع إضافة اثنتين ابنة غادة والتى ورثت الفيلا الفخمة من أبيها بعد افتضاح أمره، والمفروض أنه قد امتلك الفيلا من الاتجار غير المشروع فى الأدوية المخدرة، بينما الطفلة الأخرى هى ابنة الفتاة الصعيدية التى قتلها أهلها، بسبب فضيحة قضية الدعارة بينما ينتظر الإعدام أحمد صفوت وعبير صبرى.

سوف تلاحظ أن أغلب وجوه البطلات فقدت القدرة على التعبير بسبب الإسراف فى جرعات (البوتوكس) الذى بقدر ما أزال بصمات الزمن بتلك الجلود المشدودة بقدر ما أحالهن إلى أسماك ملونة فاقدة التعبير، المبالغة والافتعال فى الأداء سيطرا على الجميع، مثلا سلوى خطاب لم يغادرها حتى الآن لمحات من دورها المعلمة عزيزة فى مسلسل (سجن النساء) بينما عبير صبرى هى عبير صبرى (محلك سر)، وتبقى غادة عبدالرازق التى أراها فى آخر عامين ترقص على سطح صفيح ساخن بدون أن تضبط الإيقاع سينمائيا وتليفزيونيا!.

tarekelshinnawi@yahoo.com