ليس على رأسي ريشة، ونقابتنا ليست البيت الحرام أو دار أبي سفيان، من يدخلهما فهو آمن..!
اندفع نفر من الصحفيين إلى المجاهرة بعكس ذلك، بل تعمدوا تصوير أنفسهم وعلى رؤوسهم ريش، ربما بسبب الضغوط التي تعرضنا لها في الأيام الأخيرة، في ظل حملة ممنهجة، تشكك في ولائنا وانتمائنا ومهنيتنا!
وأعتقد أن هذا خطأ فادح، وفخ اُستدرجنا إليه، ونقع فيه بسذاجة، تماماً مثلما حدث مع الأطباء!
زملائي الأعزاء بالله عليكم لا تتصرفوا بهذا التعالي مع الشعب الذي يجب أن ننحاز إليه، ونحتمي به، خصوصاً أن هذا يتنافى كلياً مع واقعنا المتواضع..!
لا تُحلّقوا بعيداً عن الناس، فنحن أقرب إليهم من أي فئة أخرى، وبدلاً من التفاخر والتباهي بريشة وهمية، دعونا نوضح لهم حجم المعاناة التي نلاقيها حتى نوفر لهم معلومة نحلبها من ضرع تنين!
عزيزي المواطن المحترم الشريف، صدقني نحن «أغلب من الغُلب»، ونعيش حياتنا بقاعدة «الصيت ولا الغنى»، ونوهم أنفسنا بأننا سلطة رابعة في بلد تتقاسمه فعلياً ثلاث سلطات ولا تترك لنا ولك سوى الفتات!
إياك أن تعتقد أن الصحفيين كلهم عينة أحمد موسى أو مصطفى بكري أو وائل الإبراشي أو حتى إبراهيم عيسى، وغيرهم من الزملاء الذين يطلون عليك يومياً من منابر تليفزيونية، صار أكثرها كريهاً لك، وتعتقد أنهم يتقاضون الملايين سنوياً.. أعتقد ذلك أنا أيضا!
السواد الأعظم منا، يعاني مثلك تماماً في توفير لقمة عيشه، ويبدأ حياته صعلوكاً يتنقل من شقة إيجار إلى أخرى حاملاً حقيبة جلدية سوداء تقليدية، وكأنها واحدة نتبادلها جميعاً في هذه المرحلة الصعبة من حياتنا!
وقبل أن نلتحق بهذه النقابة التي تصب عليها لعناتك الآن، نقضي سنوات نحلم بالحصول على عضويتها، نتعرض خلالها لابتزاز رئيس تحرير أو مالك صحيفة، حتى يوافق على ترشيحنا، لذا لا تستغرب دفاعنا المستميت عنها، فاشتراطات دخول الجنة من صلاة وصيام وزكاة وتقوى الله ربما تكون أكثر وضوحاً وشفافية من اشتراطات الانضمام إلى نقابة الصحفيين!
وحدث ولا حرج سيدي القارئ عن معاناتنا في الحصول على معلومة لتقرأها بينما تحتسي قهوتك الصباحية، ثم تضعها على طاولة طعامك، لتعايرنا لاحقاً بأن دورنا في حياتك مجرد «مفرش»!
رفقاً بنا عزيزي الغيور على أمن البلاد وهيبة نظامها وسطوة حكومتها، فنحن لسنا بهذا القدر من السوء وعدم النفع، ولو ركزت قليلاً ستجدنا في كل تفاصيل حياتك!!
تخيل حالك من دون صحفي يتحدث عن معاناتك في الحصول على سكن ملائم بدلاً من العيش في القبور أو العشوائيات، فيما يسكن غيرك في قصور وتوزع عليهم الأراضي بملاليم!
وقس على ذلك معاناتك في الحصول على تعليم وعلاج ونقل آدمي، هل تعتقد أن أحداً سيهتم لو لم يكن هناك صحفي يتحدث عن ذلك؟!
تخيل معي حالك لو استمر مشروع اللواء عبدالعاطي رائد علاج الإيدز وفيروس سي بالكفتة دون أن تفضحه الصحافة وتكشف لسيادتك أن الكفتة ربما تكون أسلوب حياة في مصر، لكن من المستحيل أن تعالج فيروسا لعينا ينهش في جسد معظمنا!
لا يمكن أن يقبل صحفي محترم أن تتحول النقابة إلى ملاذ للخارجين على القانون، أو الملونين سياسياً، وأتفق معك في أن لدينا خطايانا بل جرائمنا وسقطاتنا، لكن من منا بلا خطيئة!
سيدي القارئ، نقابتنا هي قناعنا الذي نخفي خلفه ضعفنا ومعاناتنا وقهرنا في دولة هي الثانية في العالم من حيث عدد معتقليها الصحفيين– حسب تقرير لجنة حماية الصحفيين الدولية-، لذا لا تستكثر علينا غضبنا، خصوصاً أن هناك بدائل أخرى لهذا التصرف المتهور المتجبر، كانت تغني عن صدام يزيد من اضطراب الوطن وانقسامه..!
هناك من شعر بأن كرامتنا تكمن في هذا المبنى، فتعمد إهدارها، حتى يكسرنا، ويخضعنا صاغرين، وهذه الكرامة هي للأسف كل ما تبقى لنا فسامحنا، وإذا كنت ترى ريشة على رؤوسنا فانزعها واحرقها بنفسك!