كلمة.. ومبدأ.. وعقل

شريف سمير الجمعة 06-05-2016 21:17

كصحفى.. أنتمى إلى مهنة أعشقها وأعتبرها «سلاحا لكشف الحقيقة في وجه الفساد، ومنبرا لقول الحق وترسيخ حرية التعبير والرأى.. أقف في «خندق» الجماعة الصحفية كالبنيان المرصوص، متحديا القمع الأمنى وتجاوزات السلطة في حق الزملاء ممن يؤمنون بقواعد وأبجديات «القلم الحر الشريف» الذي يسخر النقد والتحليل الموضوعى الراقى لخدمة الوطن وإعلاء كلمة الحق ومساءلة المسؤولين بالحجة والبرهان و«الألفاظ المهذبة».. بل أقف رافضا في علانية لأى أسلوب ينتهك مبنى النقابة الموقر «رمز وبيت الصحفيين» احتراما لهيبته ووقاره وقيمته، اقتناعا بأن الصحفى يحظى دائما على مر التاريخ باحترام السلطة بمختلف صورها منذ نضال «مصطفى كامل» الشهير أمام الاستعمار البريطانى، مرورا بمؤسسة حملت اسم التوأم «مصطفى وعلى أمين»، و«شفافية» أحمد بهاء الدين، و«صنعة» حسنين هيكل، و«حرفية» مكرم محمد أحمد، ووصولا إلى«شجاعة» سلامة أحمد سلامة، و«فروسية» مجدى مهنا، و«معلمة» مصطفى شردى ... والنماذج على هذه الشاكلة غنية ومتنوعة ودسمة تضيف إلى المهنة أرصدة في وجدان وذاكرة الشعوب ما يضاهى مليارات «الفاسدين» في بنوك الخارج ممن حاربوهم بأقلامهم ومواقفهم.

هكذا أقف متحصنا بكل «دروع وسيوف» هؤلاء الأساتذة والمثقفين والشرفاء لأحتمى بهم وأدافع عن تاريخهم وأساهم مع زملائى في صنع مستقبل الأجيال القادمة.. فهؤلاء أتشرف بالانتماء إليهم.. وأتصور أن «زملاء» مجلس النقابة يدركون هذه الحقيقة وتحركوا على أساسها، ولكنهم فقدوا البوصلة عندما خانهم ذكاؤهم السياسى والمهنى في معركة معروفة وتاريخية مع «العقلية الأمنية»، وتلكؤا في التعامل مع موقف الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا بأسلوب أقرب إلى المراهقة والتهور منه إلى الحكمة وحسن القيادة.. فكان الأجدر بهم هو سرعة تسليم الزميلين إلى جهة التحقيق الرسمية فور لجوئهما إلى النقابة، وقطع الطريق على الأمن لممارسة دور «زائر الفجر» المعروف.. وفكّروا معى – سيادة النقيب وأعضاء المجلس المحترمين – في شكل الوضع ونتيجة الأزمة في حالة استجابة النقابة لطلب الضبط والإحضار، وتكليف مستشار النقابة القانونى ووفد من المجلس بحضور التحقيق مع الزميلين ومتابعة سير التحقيقات والتأكد من سلامة موقفهما المهنى والدستورى، فضلا عن ضمان عدم تعرضهما لأى شكل من أشكال التعذيب أو الإهانة أو الانتهاك.. أنا على يقين بأن هذه المبادرة من جانب النقابة كانت ستوفر للجماعة الصحفية وضعا أكثر صلابة في مواجهة «صخرة» الأمن التي نعرف تماما دوافع صناعها وتضخيمها لإجهاض «شرفاء الوطن» والتربص بهم!.

لا يختلف أحد على أن لمهنتنا قدسيتها وخطوطها الحمراء المتعلقة بشرف الكلمة والنقد والتوجيه.. ولكن الصحافة، في جوهرها ولب قضيتها، كانت دائما وأبدا الوعاء الواقى لاحترام القانون وإرساء دولته وتنفيذ بنوده «روحا ونصوصا».. والأزمة الأخيرة أحرجت الصحفيين في ممارسة دورهم على هذا المستوى الذي لا يقل أهمية ووطنية عن رفع لواء «حرية الكلمة».. والمشهد الآن يقتضى من «عقلاء وفرسان» المهنة تصحيح المسار وضبط الإيقاع مع السلطة والنظرة الثاقبة للأمور.. فمانشيت صاحبة الجلالة الرسمى: «كلمة.. ومبدأ.. وعقل».. فلنجلس معا.. ونتحرك معا.. لنستمر معا.