يقول عالم الاجتمع السياسي «مانويل كاستل» «الإعلام في ذاته ليس هو القوة ولكنه المكان التي تظهر فيه مدى قوة الفرق السياسية» ويضيف أيضاً العالم الكبير «لو لم يتواجد رجال السياسة في الإعلام فسوف يتم القضاء عليهم». وينطبق هذا على كثير من الساسة على الصعيد العالمي مثل المنافس على زعامة الحزب الديمقراطي الأمريكي «برني ساندرز» الذي تتجاهله شبكة الأخبار الشهيرة ال سي إن إن، وتركز على المنافسة «هيلاري كلينتون» ورغم ادعاء الولايات المتحدة أنها دولة ديمقراطية إلا أنها ديمقراطية الأقوياء وأصحاب النفوذ بالأساس، فليست الكفاءة هي المحك الوحيد. ولذا لا يُسمح لبرني ساندرز بالظهور الإعلامي بدرجة تجعله معروف على نطاق أوسع، وهذا بالأساس تصرف غير ديمقراطي يحدث دوماً في دولة تدعي رعاية الديمقراطية في دول العالم الثالث.
تم «تطفيش» المرشح السابق لرئاسة الجمهورية أحمد شفيق، ثم نفضل بقائه في الخارج، حيث إن لديه شعبية قد تمكنه من لعب دور سياسي غير مرغوب فيه في الوقت الحالي. تم التهميش الإعلامي لدكتور مصطفى حجازي، والتضييق بانتقاد عصام حجي صاحب جهاز «الكفتة» العجيب، الذي لم نسمع عن محاسبته حتى الآن. وتم تغييب الكثير من الإعلاميين أصحاب الشعبية.
وهنا ندرك أوجه الشبه بين الأنظمة الديكتاتورية والديمقراطية، حيث يتحكم في النظامين منظومة القوى شديدة التعقيد ومتشابكة الحسابات، والإعلام جزء من منظومة القوى، حيث تتفاعل وتتصارع معظم القوى بدرجات متفاوتة، ويحدث هذا على المستويين الدولي والمحلي، ولكنه يتخذ صوراً وأشكالاً مختلفة. وحيث أن صراع القوي السياسية بالأساس هو صراع على عقل المواطن، والمحاولات الحثيثة من معظم الأنظمة الديكتاتورية وبعض النظم الديمقراطية ايضاً لكسب تأييد رجل الشارع وتهميش المعارضين وإقصائهم.
لقد تم التضييق على كثير من الإعلاميين والهجوم على الكثير من الفنانين المختلفين سياسياً مع النظام الحالي، وتم خلق فرص لكثير من الزمارين والطبالين، ويبدو ذلك ظاهرياً في صالح النظام الحالي، فهل هو حقاً كذلك!!؟
ما هو في صالح النظام الحالي وأي نظام لاحق هو التركيز على القضايا الأساسية وليس على الأشخاص، ومعظم القضايا الحالية مشخصنة بدرجة يصعب معها التحليل المنطقي والوصول لنتائج قد تقترب من المنطق. فلنترك السيسي والحكومة جانباً كأشخاص، ونتعامل معهم على أساس مهام مناصبهم. العمل في الحقل العام يستتبعه مهام ومسؤوليات لها علاقة وثيقة بحياة المواطن اليومية. ولذلك فإنه من الطبيعي والمنطقي أن تنتقد وسائل الإعلام والمواطنون أداء الرئيس والحكومة.
لا توجد قوة مطلقة، لن يستطيع الرئيس وحكومته التخلص من المعارضة، المعارضة جزءاً من الحياة السياسية، وجزءا أساسيا من الحياة.
فلنترك من يريد أن يعترض أو يعارض فهذا شأنه، فالحرية ليست منحة يمنحها الحاكم لرعاياه بل هي ما خلقنا عليه، وهي حقاً لن ينازعنا فيه أحد.