منذ أيام هاتفتنى صديقة منذ أيام الدراسة، لتطمئن على صحتى وأحوالى بعد أحداث نقابة الصحفيين، ونصحتنى بالتوقف عن الكتابة فى السياسة، وعدم انتقاد النظام، فالأخير على حد قولها ضاق بالمعارضة وهو عاقد العزم على إخراسها، وفى مثل هذه الأوقات يصبح السكوت من ذهب، وأضافت أن مصر لاتخلو من موضوعات للكتابة دون التعرض للسياسة والنظام الحاكم وأعطتنى أمثلة لذلك: الكتابة عن القمامة التى تملأ شوارع القاهرة والمحافظات، نظام التعليم الذى لايواكب العصر، أزمة الأخلاق فى الشارع المصرى ومنظومة القيم التى لم يبق منها سوى أقوال لا أفعال، وتدين المظهر دون الجوهر والتعلق المرضى بالماضى على حساب الحاضر والمستقبل والسينما التى أحبها.. إلخ، وأنهت مكالمتها بعبارة أسمعها كثيرا فى الآونة الأخيرة «خلى بالك من نفسك».
فكرت فيما قالته بهدوء، ووصلت إلى نتيجة، أن كل مايحدث فى مصر سينتهى بالسياسة ونظام الحكم، السياسة ليست انتخابات وبرلمانا وأحاديث متحذلقة لايفهمها العامة، ولكنها الحياة وأكل العيش وخلو البال.
النظم الحاكمة دورها الأساسى ليس مراقبة الشعب ولكن العمل على تحسين جودة حياته، فهو حين أوكل إليها تدبير أموره وتصريفها كان ذلك فى مقابل أن تخلص فى خدمته وتحقق أهدافه وليس أهدافها وأن يتحقق من خلالها لا أن تتحقق على حسابه.
الكتابة عن الحياة العامة كنصيحة صديقتى ستنتهى إلى الحديث عن نظام الحكم، أى حقل الألغام الذى حذرتنى منه.
وأنا أعتقد أن كل كاتب مخلص لبلده محب لشركاء الوطن، حين ينتقد النظام يكون هدفه النصيحة والبناء على أسس قوية وراسخة لا الهدم كما يردد البعض من الذين يحاولون تشويه صورة المعارضة ومنعها من المشاركة فى رسم مستقبل مصر برؤية مختلفة، ويتم التعامل معها على أنها أصوات صاخبة تزعج سكان الاتحادية والمواطنين الشرفاء مثل العشوائيات التى تحيط بالأحياء الراقية!!.
حالة الاستنفار التى نعيشها غريبة، هناك رغبة عارمة فى التمايز والاستقطاب وخلق معسكرات تواجه بعضها البعض، يحاول كل منها أن يسحب من الآخر صفة الوطنية والانتماء لحسابه وخلق صراعات فئوية.
ما الذى جعلنا نصل إلى هذه الحالة المزعجة؟ وكأننا نعيش من جديد أجواء ما قبل 30 يونيو 2013.
هذا المناخ غير صحى ولا إيحابى، يستهلك الروح ويوتر النفس، ولايمكن السيسى من العمل تحت هذه الضغوط الموترة، كما أنه لايمكن للشارع الانتظار باطمئنان حتى يرى نتائح حكمه فى نهاية فترة رئاسته.. معضلة تحتاج إلى حل...والحل فى التفكير فى النهاية والنتيجة وهى تأكل شعبية الرئيس وانخفاض الثقة فى قراراته والاطمئنان لوعوده، فلماذا خسر الرئيس نقاط اللعبة رغم أنه وحده فى الملعب لاينافسه أحد، الرجل الذى لم يجد الشعب من يتجاوزه قيمة أو قامة حين تقدم للترشح على منصب رئيس الجمهورية، تغيرت صورته عند الناس بعد أقل من سنتين على حكمه، هذا واقع لابد أن يواجهه الرئيس بحكمة معاوية، دون أن يصغى لمن يحاول أن يضم الإخوان والمعارضة فى سلة واحدة ويتعامل على أنها مؤامرة أهل الشر. بين السيسى والإخوان عداوة وثأر، أما مابين السيسى والمعارضة الشعبية عتاب يوشك أن يتحول إلى يأس.
من أين تأتى الفتن؟ من خارج النظام أم من داخله؟على الرئيس أن يجيب.
الكتابة عن أحداث بعينها تسببت فيها قرارات خاطئة لن يجدى نفعا، فالتعامل مع الشعب يجب ألا يتم بالقطعة لكن طبقا لمفهوم واضح لتطبيق القانون ومواد الدستور، فلا أحد يريد استثناء ولا أحد يطمع فى امتياز، لكننا جميعا لايمكن أن نتغاضى عن الكرامة وعزة النفس.
الشعب الذى التف حول الرئيس بعد 30 يونيو ينفض من حوله، بسبب شعوره أن الرئيس يتجاهله، يجلس فى المقصورة الأمامية مع من اختارهم ويترك من اختاروه محشورين فى السبنسة.