قلبى مع جماهير الزمالك التى لم تكد تذوق طعم الفوز وحلاوة البطولات وبهجة الانتصارات وتستعيد ذاكرة الأمجاد القديمة والليالى السعيدة حتى عادت تندب حظها وتلطم كل يوم على خدها عندما تنام فى المساء على مدرب وتستيقظ فى الصباح على مدرب جديد، ليعيش فريقها، الذى كان زينة شباب الفرق الموسم الماضى، فى حالة من الارتجالية والعشوائية والانهزامية، بينما تفرق لاعبوه وتشتت ذهنهم وانفصلوا عن حياة الكرة والبطولات إلى حوارى الصراعات والمشاكل والخصومات.. وبات المميز منهم يخطط للهروب.
وقبل أن أذهب مثل زملاء آخرين إلى تحميل الإدارة المسؤولية الكاملة عما حدث لفريق الزمالك، وهى بالفعل تتحملها وحدها، فإننى لن أكتفى بإلقاء المسؤولية وحسب، بل سأغوص قليلاً لأضع أمام الجماهير كيف وصل الحال بالزمالك إلى ما هو عليه، وأتمنى أن يتسع صدر الإدارة وتستمع وتفهم لعلها تصلح ما أفسدته.
أولاً: الخطأ المفصلى الذى قاد الزمالك إلى حالة التشتت والتوهان والارتجالية هو إجبار إدارة الزمالك المدرب البرتغالى جوسفالدو فيريرا على الرحيل، وبالمناسبة هذا القرار كان مصدر سعادة كبيرة لإدارة الأهلى وجهاز الكرة، ليقينها أن المدرب البرتغالى كان لديه من الحنكة والخبرة ما يمكنه أن يغزل بأقل الإمكانيات المتاحة، وأنه لا يحتاج إلى لاعبين سوبر ستار حتى يحرز البطولات، وبالفعل كان هناك اتجاه داخل الإدارة للتعاقد معه قبل بيسيرو، ولكن محمود طاهر، رئيس النادى الأهلى، رفض لسببين: الأول عدم كسر قاعدة ريادة الأهلى وأنه لا يأكل من بقايا أو (ضحايا) الأندية الأخرى، والثانى وهو الأهم حرصه على عدم إشعال الفتنة بين جماهير الناديين وإدارتهما، المهم أن المدرب البرتغالى رحل عن الزمالك وترك شرخاً عميقاً وأثراً نفسياً سيئاً لدى اللاعبين.. ناهيك على أنه من النادر أن تحصل على مدرب بهذه الكفاءة والقدرة والخبرة على التوظيف الأمثل للاعبين، والمؤسف أنه حتى هذه اللحظة لم أسمع أو أقرأ سبباً مقنعاً لخلاف الإدارة مع المدرب، اللهم إلا إذا كانت الغيرة من النجومية التى حققها المدرب وجعلت النقاد ينسبون الفضل الأكبر له فى الفوز ببطولتى الدورى والكأس.
ثانيا: للعالم آينشتاين مقولة مأثورة فى تعريف الغباء وهو: أن تفعل نفس الشىء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وتنتظر نتائج مختلفة.. وإدارة الزمالك لا تكتفى بفعل نفس الأمر مرتين، بل تفعله ثلاثاً وأربعاً وخمساً وإلى ما لا نهاية، وفى كل مرة تنتظر نتائج مختلفة، فكثرة إقالة المدربين وتغييرهم مثل الجوارب لن تأتى ببطولات، وما حدث فى الموسم الماضى استثناء لا يتكرر سوى مرة كل مائة مرة، إضافة لغياب الأهلى لظروف تغيير جلد قوامه الأساسى من اللاعبين.
وشخصيا أرى أن إقالة ماكليش لا تقل سوءاً عن رحيل فيريرا لسببين: الأول أنه مدرب كبير ومحترم وسيرته الذاتية وتجاربه فى الدورى الإنجليزى والاسكتلندى مشرّفة، وهو يحمل الحسنيين، إذ نجح بالصعود بأندية من الدرجة الثانية إلى الأولى، ما يعنى أن لديه الجلد والصبر والقدرة على بناء الفرق.. والثانية أنه حصل على بطولات كبيرة فى إنجلترا واسكتلندا، وكان يتعين على إدارة الزمالك الصبر وإعطاؤه الفرصة والإمكانيات قبل محاسبته، أضف إلى ذلك أن كونسلتوا المدربين (محمد حلمى، محمد صلاح، جمال عبدالحميد)، الذين تم تعيينهم بدلاً منه، ومع احترامى وتقديرى للأسماء، لا يملكون مجتمعين ٢٠٪ من تاريخ مالكيش وعلمه وخبرته، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الإدارة الفنية رؤية وفكر ونظام فإن هذا الأمر لن يتحقق فى وجود ثلاثة معلّمين على مقعد الإدارة الفنية.
ثالثاً: إذا كنا نُرجع بعضا من نجاح الزمالك فى الموسم الماضى إلى غياب الأهلى كفريق قوى ومتكامل وانصرافه عن المنافسة، فإننا هذا الموسم يمكن أن نرجع الجزء الأكبر من فشل الزمالك إلى قوة الأهلى، حيث لا وجه للمقارنة بين نادى دعم فريقه بأكثر من ٦٠ مليون جنيه اشترى بها لاعبين جددا من فئة السوبر ستار المحلى (رامى ربيعة، أحمد حجازى، أحمد فتحى، السولية، صالح جمعة، أحمد الشيخ) والأفريقيين (إيفونا، جون أنطوى)، وأغلبهم من لاعبى المنتخبات، وبين فريق متعثر فى دفع رواتب لاعبيه، ففارق الإمكانيات اتسع بشكل كبير وضخم بين الفريقين.
فإذا علمنا أن إدارة النادى الأهلى رصدت فى الموسم القادم ضعف هذا المبلغ لسد أى نقص للفريق وفقاً لطلبات المدرب العالمى مارتين يول فإننا سنشفق على أى جهاز فنى يتولى تدريب الزمالك، وعندما أقول إن إدارة الأهلى لديها القدرة والاستعداد لرصد هذا المبلغ وأكثر فهذا انطلاقاً من وعيها أن ملف الكرة بات هو الأولوية رقم واحد بعد أن نجحت نجاحاً منقطع النظير فى ملف الاستثمار ووفرت لخزينة النادى الموارد التى تغطى المصاريف الباهظة المرصودة لتطوير قطاع الكرة، والذى من المنتظر أن يشهد طفرة جديدة ستضع فريق الكرة فى الأهلى فى مصاف الأندية العالمية، ومباراة روما الودية المحدد لها يوم ٢٠ مايو الجارى بداية لسلسلة من مباريات عالمية سيخوضها الفريق، والتى من خلالها سيعاد طرح اسم الأهلى فى أوروبا، ما يعظم من حجمه التسويقى ويزيد من سعره ويفتح الباب لاحتراف لاعبيه.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن مارتن يول لم يأت كمجرد مدير فنى لإدارة المباريات وتحقيق الإنجازات، بل من ضمن اختصاصاته المشاركة فى رسم خريطة قطاع الكرة مع الكابتن زيزو ووضع خطة تسويق الأهلى فى المحافل العالمية ووضع القواعد التأسيسية لنظام احترافى متكامل فى قطاع الكرة، وتشارك شركة صلة راعية النادى فى التمويل الاقتصادى، ومن المتفق عليه أن تلعب هى الأخرى دوراً فى التعظيم والترويج لاسم النادى، فالأهلى بالنسبة لها بات استثماراً مُهماً إذا نجحت فيه ستحقق ربحاً مادياً وستكون رائدة فى رعاية الأندية الكبيرة المحترفة فى المنطقة العربية والأفريقية.
وعندما أذيع هنا ما يفكر فيه مسؤولوا الأهلى والخطوات التنفيذية للمرحلة المقبلة فهذا ليس على سبيل الترويج أو إذاعة الأسرار، بل من قبيل إعطاء المثال وتحفيز الأندية الأخرى، وأقصد بالتحديد نادى الزمالك وإدارته التى يجب أن تنتقل إلى مرحلة أخرى لبناء المؤسسة بشكل علمى واقتصادى ورياضى مدروس لا تكون فيها نتيجة مباراة أو بطولة هى الحاسمة فى تغيير الاستراتيجية أو إقالة مدرب وتغيير جهاز، فكل مدربى العالم لن يكفوا لتغطية احتياجات الزمالك فى ظل انطلاق منافسه كالسهم.
وأخيراً، مازال الأمل كبيرا لعودة الزمالك، ولكن المهم الآن أن يغير أولوياته ويبدأ بالاقتصاد والاستثمار كى تتوفر له السيولة المالية لتغطية تكاليف الكرة ومجاراة التكاليف الباهظة لصناعة البطولات، فمن العيب أن يحصل الأهلى على ٣٧٠ مليون جنيه عائد الرعاية والبث التليفزيونى لمبارياته فى ثلاث سنوات، بينما يحصل الزمالك على ٨٠ مليوناً خلال نفس المدة الزمنية، فالقيمة السوقية للزمالك أكبر بكثير من هذا المبلغ، ودليلى على ذلك أن النادى الأهلى عندما طرح ملف الرعاية لم يتوقع أشد المتفائلين من خبراء التسويق- ومنهم من كان يتولى مسؤولية النادى فى فترات سابقة- أن يحصل على أكثر من ١٧٠ مليوناً فى ثلاث سنوات وأن الحديث عن الربع مليار وهم وطموح مجنون، أما الآن فالجنون أصبح واقعا، والأهلى حصل على ما يريد لأنه يستحقه، ونفس الأمر فيما يخص بث مباريات الدورى..
فالدورى المصرى تم بيعه بـ١٢٠ مليون جنيه فقط فى الموسم لشركة بريزينتيشن، وجاءت شركة بروموميديا لتشتريه بـ٢١٥ مليون جنيه لتحصل الشركة على هذا المكسب الضخم بينما الأندية تحصل على الفتات!!
فالكرة لو تعلمون منجم ذهب وسيتضاعف سعرها بعد عودة الجماهير وإذا لم تتعامل معها الأندية كصناعة وتكسر حواجز التفكير التقليدى وأسلوب الهواة فى إدارته فإنها ستتخلف أكثر ما هى متخلفة.