أجواء احتفالية بمناسبة مرور 75 عاماً على إنشاء نقابة الصحفيين، تقطعها اعتداءات وزارة الداخلية المتكررة على الصحفيين، ويتوجها اقتحام ضباط وعساكر الوزارة لحرم النقابة بدعوى القبض على من تصفهم بالمطلوبين أمنيًا الصادر بحقهم قرارات ضبط وإحضار، معركة جديدة تخوضها النقابة ضد تغول السلطة التنفيذية، معركة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.
قبل تحول النظام فى مصر إلى نظام جمهورى، وتحديدًا فى عام 1941 جاء قرار بإنشاء نقابة الصحفيين، وتشكيل مجلس مؤقت، لتنعقد أول جمعية عمومية للصحفيين بعد الإنشاء بنحو 6 أشهر، لتنتخب النقيب الأول محمود أبوالفتوح، وتبدأ أولى معارك النقابة، فالحكومة اشترطت توفير مقر للنقابة، ما دعا نقيبها الأول للتنازل عن شقته بعمارة الإيموبيليا لتصبح أول مقر لنقابة الصحفيين.
بعدها بعام، بدأت النقابة فى خوض ثانى المعارك مع سلطات الاحتلال الإنجليزى، فقد طالب النقيب القوات المسلحة البريطانية بالجلاء عن قطعة أرض مجاورة لنقابة المحامين تمهيدًا لإقامة مبنى نقابة الصحفيين، وطوال أربع سنوات، وجهت النقابة عدة إنذارات لسلطات الاحتلال حتى تمكنت من الحصول على قطعة الأرض، وبناء مبنى فخم تحملت تكاليفه الحكومة المصرية عبر اعتماد مبلغ 40 ألف جنيه دُفعت لكى تصبح النقابة «منارة إشعاع تطل منها مصر بحضارتها العريقة على الدنيا كلها». حسبما يذكر الموقع الرسمى لنقابة الصحفيين.
بعد ثورة يوليو، بدأت العلاقات فى التوتر بين النظام الحاكم الجديد، والذى كان يُمثله الرئيس محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة، ونقابة الصحفيين، حسب الكاتب الصحفى «صلاح عيسى» والذى يقول لـ«المصرى اليوم» إن الرقابة على الصحف التى فرضها المجلس وازدواجية المعايير ومحاولة السيطرة على الشؤون الصحفية والتدخلات العنيفة لمجلس قيادة الثورة دعت النقابة لعقد جمعية عمومية عام 1954 لمناقشة الأوضاع المتردية للصحافة، وهو الأمر الذى دعا السلطة وقتها لرفع الرقابة عن الصحف لعدة أسابيع، ما مكنها من خوض معركة كبيرة وتوجيه انتقادات عنيفة للسلطة الحاكمة، فنشر مجلس قيادة الثورة قائمة بأسماء صحفيين، واتهموهم بتقاضى «مصاريف سرية» من النظام الملكى، وتم حل مجلس نقابة الصحفيين وتشكيل مجلس مؤقت لتسيير أعمال النقابة تمهيدًا لصدور قانون قالت السلطة الحاكمة وقتها إنه يهدف لتنظيم عمل الصحافة.
فى عام 1955، صدر قانون النقابة، رقم 185 والذى نظم قواعد عضوية النقابة، ومنها أن تقتصر العضوية على العاملين فقط دون أصحاب الجرائد ورأس المال الممول للصحف، ونص القانون على ضرورة التفرغ للعمل الصحفى، وهو ما يعنى ضرورة الاختيار بين العمل فى الصحافة والاستمرار فى العمل فى المهن الأخرى، وبحسب الكاتب الصحفى صلاح عيسى، كان معظم الكُتاب فى ذلك الحين يجمعون بين العمل الصحفى والعمل كأساتذة جامعات.
بعد صدور القانون، استقرت الأوضاع، حسب «عيسى» الذى يقول إن النقابة لم يكن لها دور يُذكر خلال تلك الفترة، فقد كانت الصحافة «للتعبئة» فقط علاوة على أن الصحف كانت مملوكة للاتحاد القومى، وفى عام 1956؛ صدر قانون اشترط على العاملين فى المهنة الحصول على موافقة من الاتحاد القومى، وهو ما يصفه «عيسى» بتدخل سلطات الأمن فى العمل الصحفى، وهو ما أضعف من سلطة نقابة الصحفيين على العاملين فى المهنة.
بعد النكسة، تحول الاتحاد القومى إلى الاتحاد الاشتراكى، وأصبح على الصحفيين المواءمة بين الضرورات المهنية والواقع السياسى، وهو ما تسبب فى استقرار أوضاع الصحافة فى ذلك الوقت، وبعد أن تولى السادات رئاسة الجمهورية، بدأ التوتر فى العلاقات، فقد بدأ السادات بغلق النقابات كونها كيانات تابعة للاتحاد الاشتراكى، واتخذ قرارات بفصل عدد من الصحفيين وتحويلهم للعمل فى وزارات أخرى، وهو ما أدى لخلق أزمة مع نقابة الصحفيين، التى كانت تستضيف وقتها الحركات الطلابية المناهضة لحكم الرئيس الراحل.
فى أعقاب حرب أكتوبر، تحسنت العلاقات بين الصحافة والرئيس السادات، ووصفت الجرائد السادات ببطل النصر، وأطلق السادات العنان لعودة التعددية الحزبية وإنشاء صحف المعارضة، وقام بتصفية الاتحاد الاشتراكى، وبدأت الصحف الحزبية فى التحدث بقدر من الشجاعة، غير أن العلاقات عادت للتوتر بعد زيارة الرئيس الراحل للقدس المحتلة، واشتدت المعارضة فى الداخل والخارج، فقرر الرئيس السادات تحويل النقابة إلى «نادٍ» ووصف الصحفيين بـ«الرزلاء وكتاب العرائض والسخائف»، وعادت مصادرة الصحف، وحاول عدد من كبار الصحفيين التدخل بين السلطة التنفيذية ونقابة الصحفيين والصحف لتحسين العلاقات، حتى صدر قانون سلطة الصحافة رقم 148 لسنة 1980 والتى نصت مادته الأولى على أن «الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها بحرية فى خدمة المجتمع تعبيرا عن اتجاهات الرأى العام وإسهاما فى تكوينه وتوجيهه بمختلف وسائل التعبير وذلك فى إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين».
فى عهد مبارك، كان الوضع مستقرًا إلى حد كبير، حسب الكاتب الصحفى والمؤرخ «صلاح عيسى»، حتى الأزمة الشهيرة بقانون 93 لسنة 1995، والذى غلظ العقوبات فى قضايا النشر، وقتها؛ وقفت نقابة الصحفيين ضد القانون، الأمر الذى أدى لفتح باب لحوار أعضاء النقابة مع الحكومة، وعُدل القانون.
فى عهد مُرسى، قدمت إدارة الشئون القانونية برئاسة الجمهورية أكثر من 600 بلاغ ضد الصحفيين، بسبب معارضتهم لسياسته، ووصف المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الصحفيين بـ«سحرة فرعون» وحرضت الجماعة «مُرسى» على تكميم أفواه الصحفيين، ثم جاء عهد الرئيس الحالى «عبدالفتاح السيسى» لتضع وزارة الداخلية علامة جديدة فارقة فى تاريخ النقابة عبر اقتحام رواقها بضباط وجنود مدججين بالسلاح للقبض على صحفيين من داخل المبنى الذى شهد معارك، وقاد المطالبات بالحرية والديمقراطية والعدالة طيلة 75 عاماً.