فى عموده الأسبوعى بجريدة «العرب» العربية اليومية التى تصدر فى لندن، كتب الناقد الباحث الكبير فى السينما أمير العمرى، أن فى المغرب أكثر من أربعين مهرجاناً للسينما، حتى إن النقاد ينتقلون بين مهرجانين أو ثلاثة فى وقت واحد.
وهذا عدد كبير جداً من المهرجانات يستحيل عملياً أن يحقق الأهداف المرجوة منه، ويكفى جداً أى بلد مهرجان فى كل إقليم أو محافظة، ومن الضرورى بالطبع التنسيق بينها، وأن يكون لكل منها موضوع محدد، مع وجود مهرجان دولى كبير واحد، مثل مراكش فى المغرب، أو القاهرة فى مصر، أو كان فى فرنسا.
ولكن مقال العمرى لم يكن عن مهرجانات المغرب وإنما محوره تصريح لرئيس جمعية نقاد السينما خليل الدامون، الذى قال إن هذه المهرجانات لا تصدر كتباً للنقاد، ولا تقيم حلقات بحث، ولا تخصص أى أجور لهم مقابل إدارة الندوات، وإنما النقد فيها مقابل الغذاء، على طريقة التعبير الدولى الشائع حول بعض المشاكل السياسية.
كان الشائع فى مصر والعالم العربى فى النصف الأول من القرن العشرين ما يسمى «النقد الفنى» الذى يكتب فى كل الفنون ويحكى الحواديت وأخبار زواج وطلاق النجوم، بل يكون مدير دعاية لهذا الفيلم أو ذاك وينشر اسمه كمدير دعاية فى عناوين الأفلام المطبوعة على النسخ «التترات» أو فى كتالوجات الأفلام التى يطلق عليها «سيناريو»!.
لا عيب فى ذلك فالدعاية مهنة مثل كل المهن، ولكن العيب هو الخلط بين الدعاية والنقد، وبين النقد والحكايات، وقد بدأ النقد السينمائى مرحلة جديدة فى الخمسينيات فى المجلات الثقافية مثل مجلة «المجلة» المصرية ووصل إلى الصحافة اليومية فى الستينيات، وأصبح هناك الناقد السينمائى الذى يكتب المقال النقدى عن الفيلم، مثل ناقد المسرح أو ناقد الأدب، وتصدر مقالاته النقدية فى كتب مثل نقاد الفنون الأخرى، ومن بين نقاد الستينيات كاتب هذه السطور.
وقد كان من بين الوسائل لتأكيد مكانة ناقد الأفلام أن يتساوى أجر مقال نقد فيلم مع المقالات الأخرى بما فيها المقالات السياسية. وأذكر جيداً أننى طلبت من المفكر الراحل العظيم لطفى الخولى، رئيس تحرير مجلة «الطليعة» فى السبعينيات، مساواة أجور مقالات الأدب والفن مع مقالات السياسة والاقتصاد ولم يكن ذلك من أجل المال فقط، وإنما من أجل القيمة أيضاً، واستجاب الرجل الذى كان يكتب المسرحيات والقصص القصيرة، ولا يكتفى بالمقالات السياسية.
وكنت عند تولى إدارة أى مهرجانات داخل أو خارج مصر أجعل هذه المهرجانات تصدر الكتب وتقيم حلقات البحث وتنظم الندوات التى يديرها النقاد وتصدر النشرات اليومية التى تنشر مقالاتهم، وأصر على أن تكون أجور النقاد أعلى الأجور وضعف السائد، وليس أن يكون «النقد مقابل الغذاء» كما فى مهرجانات المغرب.