ڤيلا الوزير السابق!

عبد الناصر سلامة الإثنين 02-05-2016 20:44

ملاحظة غريبة فى إنشاء المقر الجديد لديوان عام وزارة الداخلية، وهى بناء ڤيلتين للإقامة بداخل الموقع، إحداهما للوزير الحالى، والأخرى للوزير السابق، من حق الوزير الحالى أن يكون مقيماً بالقرب من مكتبه، هذا أمر مقبول، بل قد يكون ضرورياً، كما مدير الأمن، وربما رئيس المباحث، إلا أن الغريب هى حكاية الوزير السابق هذه، أراها بدعة فى حاجة إلى توضيح ليس أكثر.

هل هى خاصة بالوزير السابق محمد إبراهيم تحديداً مدى الحياة، أم أن الوزير الحالى سوف ينتقل إليها بمجرد إقصائه، ومن ثم فهى لكل وزير سابق، وإذا كانت لمحمد إبراهيم مدى الحياة، فما هو الهدف؟ هل لأن «على راسه ريشه»؟ وإذا كانت للسابق فقط، فما هو مصير الوزراء الأسبقين الذين قد يصل عددهم الآن على قيد الحياة إلى نحو عشرة وزراء، من بينهم اللواء حبيب العادلى، الأكثر جلوساً على كرسى الوزارة، وربما الأكفأ على الإطلاق، حسبما يردد ضباط الداخلية أنفسهم؟

أعتقد أن التوضيح هنا يصبح مهماً حتى لضباط الداخلية، حتى للوزراء السابقين، حتى اللاحقين، تناقشت مع البعض من هؤلاء وأولئك، ليس لديهم وضوح رؤية، حتى أصحاب الشأن غير مدركين لأبعاد هذا التصرف الغريب، نعلم أن هناك سكناً لمهندس الرى بجوار موقع العمل، هناك إقامة لمهندس الكهرباء بجوار هذا الموقع أو ذاك، هناك ڤيلا للمحافظ بما تقتضيه ضرورة العمل، إلا أن هذه البدعة الجديدة، المتعلقة بالسابقين، ونظراً لأنها بدعة، فقد كانت تحتاج إلى توضيح منذ اللحظة الأولى، حتى لا يكثر حولها القيل والقال.

كنت أتمنى أيضاً مع افتتاح المبنى الجديد الإعلان فى الوقت نفسه عن سياسات أمنية جديدة، طرح خطة الداخلية الجديدة فى التعامل مع متطلبات الحاضر، الجديد لدى الداخلية الذى يمكن تقديمه للمواطن مع منشأة تكلفت كما هو معلن ٢٠٠ مليون جنيه من أموال الشعب، بخلاف الأرض المجانية، التى هى أيضاً ملك للشعب، والتى كانت تسع وحدها لبناء مدينة سكنية (٢٠٠ ألف متر)، يقع المبنى الرئيسى على مساحة ١٥٪‏ منها، مكوناً من خمسة طوابق، كل منها على مساحة ٨٦٠٠ متر، به أكثر من ٥٠٠ مكتب، إضافة إلى جراج متعدد الطوابق، محاط بسور بارتفاع سبعة أمتار، بسُمك ٥٠ سم، وأقوى أجهزة اتصالات وتأمين.

أكبر دليل على أن المبنى الجديد سوف يُدار بنفس العقلية القديمة، هى تلك الملاحظة التى توقف أمامها الرئيس وقت الافتتاح، وهى المتعلقة بالقوة البشرية لتأمين المبنى، والتى تبلغ ١٠٠٠ فرد، وهو ما جعله يطالب بالنزول بها إلى أقل من ١٠٪‏ من ذلك الرقم، اعتماداً على التكنولوجيا فى هذا الصدد، من كاميرات مراقبة وتأمين وإنذار وخلافه.

ڤيلا الوزير السابق أيها السادة سوف تفتح الباب مستقبلاً أمام ڤيلا المحافظ السابق، وڤيلا مدير الأمن السابق، وڤيلا وكيل الوزارة السابق، وربما رئيس مجلس الإدارة السابق، بل ڤيلا الوزير، أىُّ وزير، فى أى وزارة، إلا إذا كانت أموال الداخلية بمثابة «مال سايب» لا يخضع للمساءلة أو الحساب، فذلك شأن آخر.

أضف إلى ذلك أن ذلك الإفراط فى استيلاء هذه الوزارة، أو تلك الجهة، على ما تريد من أراضى الدولة إلى الحد الذى يقام فيه مبنى على نحو ٥٠ فداناً من الأراضى السكنية، هو أمر يحتاج إلى إعادة نظر أيضاً من وجوه عديدة، حتى لو كان الأمر يتعلق بوزارة الداخلية، التى من الطبيعى أن تكون فى حماية المواطنين طوال الوقت، إن هى أحسنت التعامل معهم والاقتراب منهم.

على أى حال، أزعم أن هذه الڤيلا، التى نحن بصدد الحديث عنها، سوف تكون محل أحاديث ومناقشات مستفيضة مستقبلاً، وربما تكون محل أزمة، حينما تدور الدوائر لأى سبب من الأسباب، فقد لا تجد من يقطنها، وقد نشهد صراعات بين من يتصارعون عليها، وفى الحالتين نجد أنفسنا أمام أزمة لم يكن هناك أى مبرر لصناعتها، إلا أنها فى كل الأحوال أيضاً سوف تدخل تحت بند: إهدار المال العام، ناهيك عما تم إنفاقه على المشروع ككل.

أرى أن الوزارات السيادية فى كل بلاد الدنيا، بل الجهات السيادية عموماً، يجب أن تقدم النموذج للوزارات والجهات الأخرى، يجب أن تكون القدوة، لا يجب أن يظل الوزراء الآخرون طوال الوقت ينظرون إلى هذه أو تلك على أنها خارجة عن المألوف، أو على أنها فوق القانون، أو بمنأى عن الأعراف، نرى يومياً رؤساء وزارات دول كبرى يذهبون إلى العمل من خلال دراجة هوائية، ووزراء يذهبون إلى مكاتبهم من خلال المواصلات العامة، بعضهم يتسوقون، وآخرون فى الحدائق مع أُسَرهم، أما لدينا فأصبح هدر المال العام أمراً طبيعياً، حتى على الوزير السابق.. نأمل أن يتوقف الأمر عند «حمادة هيما» بما يشير إلى أن تدليله شعبياً من خلال الاسم قد أتى بنتائج فعلية على أرض الواقع حتى من خلال حجم تأمينه وحراسته الخارجة عن المألوف أيضاً.