لن يتوقف قريباً الحديث عن الجزيرتين «تيران وصنافير»، إذ سوف يستمر المطالبون بالاحتكام إلى الشعب عند رأيهم، كما لن يتزحزح المنادون بسعودية الجزيرتين قيد أنملة عن موقفهم. ومن جهتى فإننى عندما أنظر إلى الأمر أراه على نحو شديد الوضوح، وهو أن كل المشتغلين بالعمل العام من سياسيين وإعلاميين وقادة رأى وحزبيين، الجميع يعلم في قرارة نفسه أن الجزيرتين مصريتان، وأن السعودية حتى في ذروة عدائها وحربها المفتوحة ضد عبدالناصر لم تطالب باستعادة «أرضها» ولو من باب المناكفة والكيد. ورغم علم الجميع بهذا فإن من الإعلاميين والسياسيين والأكاديميين من أقسم بشرف أمه بأن الجزيرتين سعوديتان، وكان دافعهم إلى هذا الرغبة في الحفاظ على لقمة البغاشة وتوسيع رقعتها لو أمكن!.. هناك كذلك من قال إن الجزيرتين مصريتان ولا ينوى أن يغير رأيه. هذان الموقفان مفهومان وليس بهما- على تباعدهما- ما يثير الدهشة.. ولكن وسط هذا السجال برز رجل أعلن موقفاً فريداً يختلف عن موقف السادة الموافقين على تسليم الأرض للسعودية، وكذلك يختلف عمن يعارضون هذا التسليم. قال الرجل في جسارة يُحسد عليها إن الجزيرتين تنتميان لمصر بلا مواربة إذا نظرنا للخرائط والوثائق القديمة، لكن إذا أشحنا البصر عن الوثائق العتيقة وتمعنّا في الوثائق «المودرن» سنجد أن الجزيرتين قد تحولتا إلى سعوديتين!.. وهذا لعمرى هو أغرب رأى يمكن أن يصدر عن إنسان.. بالوثائق القديمة الأرض مصرية وبالوثائق الحديثة الأرض سعودية.. ما هذا الجمال؟ ما هذه الرؤية الثاقبة؟ إن هذا يشبه ما كان الكابتن لطيف الله يرحمه يقوله في وصف شوطة ملتبسة..
كان يقول إن الجالسين في المقصورة وفى الدرجة الثالثة شمال استطاعوا أن يروا الهدف بوضوح، بينما الجالسون وراء المرمى قد رأوه أوفسايد!. في هذا الرأى يبدو الرجل وكأنما أراد إمساك العصا من المنتصف حتى يكون له خط رجعة عند اللزوم. كان بإمكانه طبعاً أن يجلس في الأمان ويقول إن الأرض سعودية كما فعل غيره، لكنه على ما يبدو أراد ألا يكون رخيصاً ونظر إلى نفسه فشعر ببعض الحرج من أن يكون من العكاشنة وفضّل أن يتميز بموقف مختلف لا يكون فيه فرداً ضمن قطيع.. وهنا بالضبط كانت المأساة لأن هذا الموقف هو قمة العكشنة التي أراد أن يتفاداها!. لقد ضحك الناس ملء أشداقهم وهم يقرأون عن هذا الموقف الذي يرضى نظرياً جميع الأطراف ولا يثير حفيظة أحد، وعلى شبكات التواصل الاجتماعى فإن بعضهم قرر منح الرجل لقب «ابن الظريفة لعام 2016»، ذلك أن هذه الافتكاسة لم تخطر على بال أحد غيره. إن الرجل على ما يبدو كان يجلس في الركن البعيد الهادى وينظر ضاحكاً للبشر وهم يتساقطون وبعضهم يبحث في الدولاب وفى الشوفونيرة وفى سحّارة الكنبة عن ورقة تركها بابا تؤكد أنه كان يكذب على الشعب حين قال إن الأرض مصرية! لكن صاحبنا على العكس من هذا، فهو لم يُغضب أباه في قبره ولم يناقض مواقف سبق أن اتخذها، لكن وقف بحرفنة على مسافة واحدة من أصحاب الأرز البسمتى وأصحاب الأرز البلدى أبوشعرية!