تونى بدران يكتب: الغرب يكافئ «الأسد».. زعيم عصابة الشرق الأوسط

اخبار الأحد 01-05-2016 20:38

كان جون جوتى، زعيم المافيا في عائلة جامبينو، يلقب بـ«التيفال» لأن الاتهامات الموجهة إليه في المحاكم كانت لا تلتصق به أبداً، لكن «جامبينو» هذا لا يمثل شعرة في مفرق بشار الأسد «تيفال الشرق الأوسط». ولو قُدِّر لجون جوتى أن يعيش ليرى الأسد لأصابه الذهول وهو يرى كيف ينجو هذا المجرم التافه زعيم عصابة القتل السورية من عقوبة ارتكاب جرائم القتل الجماعى يوماً بعد يوم، وآخرها مجزرة حلب.

بعد مرور 5 سنوات من اندلاع الثورة ضد «الأسد»، التي حصدت أكثر من ٤٥٠ ألف قتيل تعرضوا للقصف والإبادة بالغاز لمجرد رفضهم أن يحكمهم ديكتاتور قاتل، لا بد للمرء أن يستغرب من تهليل الكثيرين لـ«الأسد» بوصفه حامياً للأقليات المهددة، بل منقذاً للتحف الأثرية. فمثلاً رأينا عمدة لندن، بوريس جونسون، يكتب مزهواً بعد الهجوم الذي شنه حلفاء الأسد لاستعادة مدينة تدمر: «مرحى لكم، أحسنتم، ثابروا».

وعلاوة على الإشادة بـ«الأسد» بوصفه رأس حربة في المعركة ضد الإرهاب الجهادى نرى أن إدارة الرئيس باراك أوباما تتراخى في إصرارها على ترك الأسد في السلطة. ووراء الكواليس كان سياسيون من الأوزان الثقيلة مثل روب مالى، حلَّال المشاكل المفضل لدى أوباما في المنطقة، وبريت ماكجورك وآخرون- يفعلون المستحيل لينتصر النظام عسكرياً في حلب وفى أماكن أخرى في أرض المعركة. وفى الواقع، يبدو أن روسيا وحلفاءها على الأرض يحشدون قواهم للسيطرة على حلب، وكان رد الإدارة الأمريكية بمنحهم الغطاء الكامل بعد أن ادَّعت زوراً أن المدينة تحكمها جبهة النصرة. ونصح جون كيربى، المتحدث باسم وزارة الخارجية، جماعات الثوار في حلب أن يخرجوا من مواقعهم في المدينة خوفاً من أن «يصابوا بالضرر».

وحتى لو نظرنا إلى نظام «الأسد» باعتباره حصناً منيعاً في وجه «داعش» و«جبهة النصرة»، فالإدارة الأمريكية لا تخفى حقيقة أنه لا وجود لنظام «الأسد» من دون «بشار». وتعليقاً على زيارة وزير الخارجية جون كيرى الأخيرة إلى موسكو، نقلت الصحيفة عن نائب وزير الخارجية الروسى سيرجى ريابكوڤ أن روسيا «وجدت لدى واشنطن تفهماً» أن مستقبل الرئيس السورى لا ينبغى أن يكون على جدول الأعمال في هذه المرحلة.

وذكرت تقارير أن روب مالى تفاوض مع المبعوث الرئاسى الروسى الخاص، ألكسندر لاڤرنتييڤ، حول شكل التسوية السياسية في سوريا، وناقشا معاً خطة تقوم إلى حد ما على النموذج اللبنانى لتقاسم السلطة، حيث يتقاسم «الأسد» والمعارضة التي ترضى بالتسوية السلطات التنفيذية والأمنية والتشريعية والقضائية. وقد شرح المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دى ميستورا هذه الخطة لوفد المعارضة الذي تفاجأ بها في جنيف، فـ«الأسد» يبقى رئيساً، في حين يتم تعيين 3 نواب للرئيس تختارهم المعارضة يتمتعون بصلاحيات غير محددة بعد، وقد تكون صلاحياتهم تنفيذ ما يطلبه «الأسد» منهم وإلا قتلهم. وقد ذكرت تقارير أن روب مالى أطلع الرئيس أوباما على نتائج محادثاته مع الروس، التي قد يكون الرئيس حملها معه في جولته الأخيرة في الخليج. لكن السؤال الآن هو: كيف يمكن تطبيق هذه الخطة بعد المجزرة الأخيرة في حلب؟

وفى حين تبدو سياسة أوباما في سوريا وكأنها استجابة للأحداث الأخيرة فإنها متماشية تماماً مع الموقف الأصلى للبيت الأبيض. فالمقترحات التي تتضمن بقاء «الأسد» رئيساً بسلطات يفترض أنها محدودة لم تتوقف منذ 2012، وهو العام الذي أعلن فيه أوباما عن خطه الأحمر الشهير. وبحلول 2013 بدأ البيت الأبيض يعبر علناً عن ندمه على دعوته «الأسد» إلى التنحى مصرحاً لوكلاء وسائل الإعلام بأن واشنطن لا تسعى لمساعدة المعارضة للفوز في الحرب الأهلية. وفى 2014، وبعد اجتماع في البيت الأبيض، دعا 2 من أهم أركان ما تبقى من مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، وهما ليزلى جيلب وفرانك ويزنر، إلى إعادة تعريف أهداف الولايات المتحدة، مع الدعوة للتعاون مع نظام الأسد ضد «التطرف الجهادى».

وعبر «جيلب» و«ويزنر» عن وجهة نظر يفترض أنها وجهة نظر البيت الأبيض وخلاصتها أن الرئيس الأمريكى، بعد أن كان «متسرعاً جداً وحاسماً للغاية» في الدعوة للإطاحة بالأسد، ربما يكون الآن على استعداد للتفكير في عملية انتقالية، وهو ما عملت مؤتمرات جنيف على تحقيقه حتى الآن.

وبالعودة إلى زعيم المافيا جون جوتى فلا بد أنه سيكون مستغرباً غاية الاستغراب من مدى استعداد إدارة أوباما ومصفقيها المستأجرين في الصحافة لتجاهل نهر الدماء الذي يجريه الأسد تحت قدميه في مشهد يجعل أعتى زعماء المافيا يشعر بالرعب. فشهوة «الأسد» لسفك الدماء لا تقتصر على السوريين الذين يعارضون حكمه، فقد سفك «الأسد» دماء الكثير من غير السوريين بمن في ذلك الأمريكيون. فبعد وقت قصير من توليه السلطة بدأ الأسد بتوجيه الجهاديين من جميع أنحاء العالم عبر سوريا إلى العراق لقتل الجنود الأمريكيين في أعقاب الغزو الأمريكى للعراق. ووجهت مخابرات النظام السورى نفس الشبكة الإرهابية لضرب وتفجير أهداف في الأردن ولبنان. واستمرت التفجيرات والاغتيالات في لبنان بشكل مطرد حتى 2013، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من الضحايا المقصودين، وفى 2012 حاول «الأسد» استخدام أحد شركائه من مسيحيى لبنان، هو الوزير ميشال سماحة، لزرع متفجرات تستهدف مسيحيين ومسلمين سنة لزيادة التوترات الطائفية في لبنان، وتم القبض على سماحة لكن مدير المخابرات العامة الذي كشف المؤامرة قُتل في تفجير.

«الأسد» ليس قاتلا عادياً، ففى حين كان والده من زعماء المدرسة التقليدية في الإجرام، قتل «بشار» آلاف الناس بالغاز الكيماوى والولايات المتحدة شاهدة دون أن تحرك ساكناً، وآخرها مجزرة حلب. عندها فهم «الأسد» أن بإمكانه أن يفلت من العقاب مهما فعل، لأن إدارة أوباما كانت ترفض التدخل في سوريا بأى ثمن. مضت سنوات و«الأسد» ينجو بأفعاله في قتل السوريين، والأسوأ هو أنه أصبح شريكاً مهماً في محاربة الإرهاب

والآن، وبعد مجزرة حلب الأخيرة، وبعد وصول عدد القتلى إلى ما يقرب من نصف مليون، بالإضافة إلى ملايين اللاجئين كان الكثيرون منهم ضحية تطهير عرقى ممنهج، نكافئ «الأسد» بجعله جزءاً من عملية «الانتقال السياسى» في سوريا وبمشاركته في صياغة دستور جديد والترشح في الانتخابات التي سينظمها بنفسه.

فليتفضل زعيم المافيا جوتى ويرينا إذا كان يستطيع أن يتفوق على «الأسد».

نقلاً عن مجلة «تابليت» الأمريكية

ترجمة- غادة غالب