العار العربى فى حلب

عبد الناصر سلامة السبت 30-04-2016 21:47

مدينة حلب السورية هى المدينة الأقدم فى العالم، حسب بعض المؤرخين، كان يقطنها حتى بداية هذا العام ما يقارب الستة ملايين نسمة، هى أكبر المدن السورية (١٩٠ كلم)، تقع (شمال غرب) على بعد ٣١٠ كلم من العاصمة دمشق، كانت عاصمة مملكة يمحاض الأمورية، تعاقبت عليها حضارات عديدة، برزت فى العصر الإسلامى كعاصمة للدولة الحمدانية، التى امتدت من حلب حتى الموصل، ومع سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى انتزعت من حلب أجزاؤها الشمالية، التى ضُمت إلى تركيا عام ١٩٢٠ بالاتفاق بين أتاتورك وسلطات الانتداب الفرنسى، كما أدت اتفاقية سايكس بيكو وفصل العراق عن سوريا إلى كساد وتدهور كبير فى اقتصادها، تراجع موقعها السياسى بعد أن أصبحت دمشق هى العاصمة، إلا أنها حافظت على موقعها كعاصمة اقتصادية.

موسوعة ويكيبيديا تشير إلى أن مدينة حلب تضم أهم المعامل الصناعية فى سوريا، تشكل مركزاً للمناطق الزراعية، خاصة زراعة القطن الضرورية لمعامل النسيج، حتى نهاية الخمسينيات من القرن الماضى كان يخرج من حلب وريفها معظم الناتج الإجمالى السورى، المدينة القديمة فى حلب ضمن مواقع التراث العالمى (اليونسكو) منذ عام ١٩٨٦، حصلت على لقب عاصمة الثقافة الإسلامية عام ٢٠٠٦، منذ الأحداث الدموية فى سوريا عام ٢٠١١ تضررت المدينة إنسانياً واقتصادياً بفعل القتال والقصف، ونُقلت المعامل إلى تركيا، توقفت عجلة الاقتصاد فى المدينة، تعرض الكثير من معالمها الأثرية للدمار، مثل قلعة حلب، بعد أن وقعت المدينة فى أيدى المعارضة أو المسلحين هناك.

الآن ومنذ عدة أسابيع، وفيما يبدو أنه فى إطار ترتيبات تقسيم جديدة ترعاها القوى العظمى ذات اليد الطولى فى الشأن السورى، يخوض النظام الرسمى هناك حرباً ضروساً لاسترداد المدينة العريقة من أيدى مسلحى جبهة النصرة وأعوانهم، الذين يسيطرون على أحيائها الشرقية، القصف كان متبادلاً بين جميع الأطراف، تئن المدينة منذ أسبوع تحت قصف من قوات النظام أوقع مئات القتلى، هى حرب إبادة لسكان حلب، يشارك فيها جميع الأطراف كما هو واضح من صور القصف وآثاره، الأطفال كما النساء كما الرجال، القتل لم يُفرّق فى حلب، المنازل كما المدارس كما المستشفيات، القنابل الموجهة لم تستثنِ أحداً، الأشلاء فى كل مكان، الدماء فى كل موقع، الجثث المتناثرة معلوم موقعها، هى تحت الأنقاض، لا توجد إمكانيات بشرية ولا تكنولوجية لرفعها، ولا حتى لإنقاذ الأحياء منهم.

الجريمة التى لا تقل عن جريمة القصف هى موقف العالم العربى من ذلك الذى يجرى، للأسف هناك أنباء تؤكد أن اتفاقات القوى العظمى فى هذا الشأن تضم أطرافاً عربية، أى أن العرب أصبحوا ضالعين فى المؤامرة على الأرض السورية، وعلى الشعب السورى، من بداياتها حتى النهاية، من تمويل داعش والجبهات والجيوش بمختلف أسمائها حتى اتفاقيات التقسيم والقصف والدمار والقتل، لذا لم ينتفض أحد لذلك الذى يجرى، بل لم يحرك ذلك ساكناً، إنها التصريحات العربية والدولية على السواء التى تصدر فى أعقاب النكبات العربية عموماً.

نبيل العربى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، يدين قصف مستشفى القدس فى حلب، البرلمان العربى يدين قصف مدينة حلب، الهيئة العامة لهيئة كبار العلماء بالسعودية تدين المجزرة (التى نفذها النظام السورى) فى حلب، الأزهر يطالب المجتمع الدولى بالعمل على الوصول لحل عاجل لإنهاء الوضع المأساوى، مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يستنكر عدم الاكتراث بحياة المدنيين من قبل جميع أطراف النزاع، المبعوث الأممى لدى سوريا، ستيفان دى ميستورا، قال إنه لا يعتقد أن الهجمات التى ارتُكبت ضد مستشفى حلب وأوقعت وحدها نحو ٦٠ قتيلاً حدثت بالخطأ، مشيرا إلى أن هذا بمثابة «جريمة حرب».

الغريب هو أن جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكى، يعلن غضبه من النظام السورى، بينما تعلن روسيا إدانتها للمعارضة، فى الوقت الذى صدر فيه عن تركيا ما يحمل نوعاً خاصاً من الإدانة، قال بيان للخارجية: «إن النظام السورى وروسيا يخترقان الهدنة التى بدأت فى ٢٧ فبراير الماضى بشكل ممنهج، حيث تزيد هذه الاختراقات مع كل جولة من جولات محادثات جنيف للسلام بشكل متعمد وواضح».. وكأن الأوضاع مثلاً كانت تسير فى طريقها إلى السلام.

ويستمر نزيف الدم، وتستمر مخططات التقسيم، ويستمر تمويل المسلحين عربياً ودولياً، ويستمر تدفق السلاح لكل الفصائل بلا استثناء، وتستمر هجرة الملايين من النساء والأطفال بصفة خاصة، ويستمر التآمر الدولى والانبطاح العربى، ويتوالى سقوط المدن الواحدة تلو الأخرى، والتى ما تلبث خلال ساعات قليلة أن تتحول إلى أطلال أو مدن أشباح.

وسط كل هذه المأساة كان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قد أعلن أن بلاده سوف تحتفظ بالجولان السورية إلى الأبد.. لذلك حديث آخر غداً.