دليل الحُكام لاستخدام الإعلام

د. ياسر عبد العزيز السبت 30-04-2016 21:52

س: لماذا تُفرط بعض الحكومات فى الاهتمام بوسائل الإعلام والإعلاميين؟

ج: لأن هناك من يعتقد أنه يمكن أن «يحكم بلداً» عبر وسائل الإعلام.

س: وهل يمكن أن تحكم سلطة عبر وسائل الإعلام؟

ج: يسود اعتقاد لدى كثيرين أن وسائل الإعلام باتت تهيمن على المساحة الأكبر من عقل الجمهور، وأنها الأكثر تأثيراً فى خرائطه المعرفية والوجدانية، ولذلك يمكن من خلالها توجيه هذا الجمهور، وتعبئته، وشحنه، وتجنيده، وإقناعه، وتهدئته، وتسخينه.

س: وهل هذا صحيح؟

ج: الصحيح أن الإعلام أداة من الأدوات ذات التأثير الكبير فى تشكيل الرأى العام، والرأى العام بدوره أحد الاعتبارات الحيوية فى صنع السياسات العامة وممارستها.

س: كيف؟

ج: يمكن من خلال وسائل الإعلام إقناع بعض الجمهور بسياسات معينة، أو توجيهه للتصويت لصالح مرشح معين، أو تحريضه على الخروج للتظاهر، أو إشاعة أجواء اليأس بينه، أو صرف اهتمامه عن قضايا مهمة وحيوية.

س: وبأى طريقة؟

ج: يحدث هذا عبر طرق عدة، تم تطوير نظريات أكاديمية لتفسيرها وتوضيحها. فهناك مثلاً ممارسات إعلامية يمكن من خلالها إقناع الجمهور بأن «رفع الأسعار»، هو عملية «تحريك للأسعار تستهدف ترشيد الاستهلاك وعلاج خلل الموازنة»، أو أن «الهزيمة العسكرية» ليست سوى «نكسة»، أو أن «غزو دولة»، ليس سوى «عملية تستهدف زرع الديمقراطية» فيها، أو أن «الحرب على دولة» هى «حرب على الإرهاب»، أو أن «القمع الممنهج» ليس سوى «حوادث فردية».

س: وماذا أيضاً؟

ج: هناك سياسة أخرى يتم تفعيلها عبر وسائل الإعلام؛ إذ يمتلك الجمهور حيزاً معيناً يمكن من خلاله أن يستوعب عدداً من القضايا ذات الاهتمام؛ ولذلك، تجتهد وسائل الإعلام الموالية فى أن تملأ هذا الحيز بقضايا من نوع «خناقة لاعب كرة مع زوجته»، أو «القبض على فنانة تدير شبكة دعارة»، أو «تسريبات جنسية لناشط سياسى»، وغيرها، وبالتالى، ستقل المساحة التى يمكن أن يمنحها العقل الجمعى لقضايا تتصل مثلاً

بـ «التكامل الإقليمى»، أو «احترام الدستور»، أو «إنفاذ القانون».

س: يعنى هذا أن الإعلام «ساحر»، إنه «عصا موسى»، يمكن حقاً من خلاله تغييب الجمهور، والسيطرة عليه، وتحقيق كافة أهداف السلطة فى هذا الصدد؟

ج: ليس بالضرورة، فرغم تلك القدرة التأثيرية الواسعة لوسائل الإعلام، فإن الاستسلام لنظرية «الحكم عبر وسائل الإعلام»، أو أن «الإعلام قادر على فعل المعجزات»، خطأ. ولو كان هذا الأمر صحيحاً لما هُزم هتلر بالتأكيد، ولما انهار الاتحاد السوفييتى، أو فقد زين العابدين بن على حكمه.

أما شاه إيران، فقد حوّل الإعلام الإيرانى إلى أدوات دعاية مباشرة لحكمه، ولم يكن لدى الخمينى قدرة على الوصول إلى الإيرانيين سوى من خلال شرائط الكاسيت المهربة، ومع ذلك، فقد شاهد العالم أجمع الشاه صاحب الترسانات الإعلامية الضخمة يفرّ من بلاده هائماً بلا مأوى، وشاهد الخمينى، الذى لم يكن يملك سوى شرائط الكاسيت المهربة، يهبط فى مطار طهران «ملكاً متوجاً، وحاكماً بسلطات تشابه تلك التى حكم بها كسرى».

هيمن مبارك على وسائل الإعلام المصرية العامة والخاصة لثلاثة عقود، لكن هذه الهيمنة لم تنجح فى منع اندلاع «ثورة يناير»، والإطاحة بحكمه، وظن كثيرون أن «الإخوان»، المدعومين بمنظومة إعلامية إقليمية ومحلية ضخمة، وميليشيات إلكترونية منظمة على «السوشيال ميديا»، قادرون على تطويع الدولة والمجتمع، ولكنهم فشلوا وسقطوا.

الإعلام أداة تأثير قوية وفعّالة ونافذة، لكنها لا يمكن أن تحكم أو تغطى عوار الحكم طويلاً، وأفضل ما تفعله منظومة إعلامية قوية وقادرة أن تساند حكماً فعالاً رشيداً، فتعظم فرصه، وتقلل المخاطر التى تستهدفه.