تشير التقديرات إلى أن الإسلام والهندوسية من أكثر المعتقدات انتشارا في الولايات المتحدة الأمريكية، في مقابل انخفاض شعبية المسيحية واليهودية، ووفقا لدراسة بحثية لمركز بيو الأمريكي للدراسات والأبحاث في يناير2016، أشار فيها إلى أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، بلغ بنهاية 2015 نحو 3.3 مليون نسمة بنسبة 0.9% من إجمال عدد سكان أمريكا والبالغ 322 مليونا.
بينما بلغ عدد الهندوس نحو2.1 مليون نسمة بنسبة 0.7%، فيما حافظ اليهود على نسبة الـ 1.8%، في ظل سيطرة غير المنتمين للأديان على المرتبة الثانية التي تشمل الملحدين والمؤمنين اللادينيين بنسبة 23% بعد المسيحية بـ70.6%.
ويتوقع المركز البحثي بأنه باستمرار معدلات النمو الحالية سوف يصبح المسلمين ثاني أكبر جماعة دينية في الولايات المتحدة بحلول 2050 ليتجاوزوا اليهود الذين ستنخفض نسبتهم إلى 1.4%، بينما لن يتجاوز النمو البوذي 1.2% خلال نفس العام.
وتشير الإحصائيات إلى أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر مركز تجمع للبوذيين خارج آسيا.. «المصري اليوم» تجولت في معبد «واتامبا إن إنجليش» البوذي في مدينة تامبا بولاية فلوريدا، والذي يعد أحد أكبر وأقدم المعابد البوذية في الولاية والذي يخدم أحد أكبر الجاليات البوذية في شرق الولايات المتحدة، لمحاولة التعرف عن كثب عن سر الانتشار البوذي الواسع في صفوف الأمريكان.. واكتشاف مهرجان طعام يوم الأحد من كل أسبوع والذي يعد المناسبة الأبرز لجذب غير البوذيين للتعرف على الثقافة الهندوسية.. وإلى الجولة..!
يبعد المعبد البوذي نحو 20 دقيقة بالسيارة من مركز مدينة تامبا، التي تعد أحد أكبر مدن فلوريدا، وتضم جالية معتبرة من البوذيين، وتأسس المعبد في عام 1981 لمحاولة خدمة النمو المتزايد في أعداد الجالية البوذية في الولاية، والتي تشير التقديرات غير الرسمية إلى وصولهم لنحو 200 ألف نسمة.
وفي موقع متميز على ضفاف نهر بالم، يقع المعبد الهندوسي بطراز معماري آسيوي لا تخطئه العين، ويضم عشرات الأفدنة بين ساحات طعام مفتوحة وحدائق للعب الأطفال. ويخصص المعبد صباح يوم الأحد من كل أسبوع كمهرجان للطعام التايلاندي بأسعار بخسة قد لا تتجاوز الـ8 دولارات للوجبة الواحدة، وهي بمتوسط الأسعار الأمريكية لا شيء تقريبا.
ذهبنا إلى المعبد بعد أن علمنا عن طريق بعض الأصدقاء الأمريكان بخصوصية المكان وتميز طعامه وتجربته المميزة الذي ينصح بها لكل سائح يريد أن يرى التنوع في حياة المجتمع الأمريكي.
على باب حديقة المعبد استقبلنا كاهن هندوسي بزيه التقليدي بابتسامة هادئة، أشار إلى المكان المخصص بجوار المعبد كساحة انتظار مجانية للسيارات، وبسؤاله عما إذا كان التصوير متاحا، أوضح أن كل شيء متاح عدا تصوير الكهنة أثناء ممارسة طقوسهم ودخول الحيوانات الأليفة ساحة المعبد.
ترجلنا من السيارة وذهبنا مباشرة إلى المعبد، استقبلنا رجل دين هندوسي آخر لكن هذه المرة بزي عادي، وبادرنا بالقول «لا يهم ما هو معتقدك نحن نرحب بك داخل المعبد لكن برجاء خلع حذائك، وإذا كنت تصطحب فتاة ترتدي هوت شورت برجاء تنبيهها لضرورة ارتداء بنطلون أو على الأقل شورت، ومرحبا بك في المعبد».
بداخل المعبدلم تكن هناك غرف أو أجزاء منفصلة بل ساحة واحدة فحسب تضم الجميع، وفي واجهة الساحة كان هناك تمثال بوذي يحتل المكانة الرئيسية تمت إحاطته بتماثيل أخرى وبعض الزخارف والنقوش الهندوسية وتم التنبيه علينا بأن من الممكن التقاط أي صور لكن يحظر لمس الزخارف التي تم ترتيبها بعناية فائقة، كما يتم ترتيب قطع الدومينو، ويمكن لأي لمسة هنا أو هناك أن تحطم كل هذا.
علاقات عامة
قال رجل الدين الهندوسي، الذي تحفظ على نشر اسمه، أو تصويره، إن مهرجان الطعام يوم الأحد تم تنظيمه لأول مرة في عام 1987 لكنه لم يكن يشهد انتظاما أو رواجا كبيرا، موضحا انه خلال السنوات الأخيرة فحسب مع تنامي وسائل التواصل الاجتماعي أصبح المعبد يستقبل عدة آلاف كل يوم أحد، وهي مناسبة اجتماعية لطيفة تتيح لنا التواصل مع الآسر الأمريكية بشكل جيد، على حد تعبيره.
وتابع: كنا نخطط للتوسع في المساحة المحيطة بالمعبد منذ 1990 لكن مواردنا المحدودة وقتها لم تكن تتيح لنا هذا، لكن مع الإقبال الواسع نجحنا في شراء كامل المساحة التي تحيط بالمعبد في 2008 وأصبحت كل المنطقة الموازية لنهر بالم على امتداد عدة أفدنة ملكية خاصة للمعبد، وهو ما يتيح لنا فرص التوسع المستقبلي كذلك، كما أنشئنا ميناء خاص لاستقبال الأشخاص القادمين إلينا بمراكبهم الخاصة.
وبسؤاله عن الخدمات التي يتيحها المعبد للبوذيين وغير البوذيين، أوضح أن المعبدمفتوح كل أيام الأسبوع للعبادة، ويتم تخصيص الأحد لاستقبال غير البوذيين في مهرجان الطعام، وفي ذلك الأثناء فالمعبدنفسه مفتوح للتعريف بالبوذية لمن يريد.
سألناه أيضا هل هناك أي حساسيات من استقبال أي زوار من ديانات أخرى كالإسلام والمسيحية، أكد أن المعبد مفتوح للجميع وجميع معتنقي الديانات الأخرى أو حتى غير المؤمنين مرحب بهم سواء بساحة المعبد أو بداخل المعبد طالما اتبعوا القواعد البديهية مثل عدم اصطحاب الحيوانات وارتداء زى مناسب عند دخول المعبد واحترام رمزية المكان.
أعدنا عليه السؤال بشكل مختلف هل تنظيم مثل ذلك اليوم يعد محاولة للتنافس مع الكنائس إثناء قداس الأحد، تابع والابتسامة لا تفارق وجهه، نحن لا نتنافس مع أحد نحن نقدم خدمة للمجتمع من جهة نتيح مكانا لأصحاب محلات الطعام التايلاندي في ترويج طعامهم ومن جهة آخري نوفر طعام رخيص للآسر الأمريكية، وهي مناسبة تتيح لنا التعريف بالثقافة البوذية.
موز مقلي
شكرناه وانصرفنا خارج المعبد، وفي ساحة الطعام الرئيسية اصطف الأشخاص بانتظام أمام أصناف المأكولات المختلفة ذات الأثمان الزهيدة، إلا انه كان الإقبال الواسع على الموز المقلي، وحساء الخضار والكاري الحار، وشخصيا انصح بتجربة الموز المقلي لهواة تجربة الطعام المختلف وهي تجربة مريعة على أي حال!!
الشاي التايلاندي ذو الإعشاب المختلفة تجربة لا تجب أن تفوتك كذلك وثمنه لا يتجاوز الدولاران. كما تم تخصيص مكان واسع لهواة البستنة حيث تم عرض عدد من الشتلات الجيدة والبذور المختلفة وبسؤال الأصدقاء المحليين تبين أيضا أن الأسعار لا بأس بها.
زوار من مدينة آخرى
وفي ساحة الطعام صادفنا أسرة أمريكية «ليين وشارلي» وبسؤالهما تبين أنها من مدينة سان بطرسبرج والتي تبعد عن مدينة تامبا نحو 45 دقيقة، وأشارا إلى إنهما قدما خصيصا إلى مهرجان الطعام الأسبوعي من مدينة أخرى لأنهما يهويان تجربة الأشياء الجديدة، وأنهما يأتيان إلى هذا المكان بشكل شبه منتظم وقد علما عنه خلال الفترة الأخيرة من أصدقاء أخريين اعتادا زيارته.
وأوضحا أنهما يعتقدان أنهما مسيحيان مخلصان لكنهما كذلك منفتحان تجاه الأفكار والأديان الأخرى، وقالت لين: لدي تمثال لبوذا في غرفة المعيشة في منزلي وأنا لست بوذية حتى.
وأوضح شارلي أنه يأتي خصيصا لهذا المكان كل أحد ليس من أجل الطعام فحسب بل للخيارات الواسعة الذي يتيحها فهو يتيح له التعرف على أسر أخرى لها اهتمامات مشابهة، كما يتيح له التمتع بالتجول في حدائق المعبدوسط الهواء الطلق والاستمتاع بطاولة مجانية على ضفاف النهر.
انتهاء المهرجان
وبحلول الساعة 2 ظهرا كان أغلب مرتادي مهرجان الأحد قد رحلوا بعد بيع أغلب الطعام، واقتصرت الحركة على أماكن البذور والشتلات، وبالسؤال تبين أن المهرجان يغلق رسميا بحلول الثالثة عصرا، ولذلك ينصح إذا كنت تنوي زيارته أن لا تتأخر كثيرا عن الساعة 9 صباحا لتتمكن من التقاط بعض الطعام المميز وحجز طاولة مجانية تطل على النهر مباشرة.
غادرت المكان ولم يعد لدي اندهاش كبير عن الأسباب التي تجعل البوذية أسرع المعتقدات انتشارا في الولايات المتحدة الأمريكية.