أسوأ ما فى الأمر أن نعتاد على السقوط شبه اليومى للضحايا الجدد فى معركتنا ضد الإرهاب فى شمال سيناء، وأن يصبح استشهاد وإصابة عشرة أفراد، أمس الأول، على سبيل المثال، خبراً عادياً لا يستوقف أحداً!
إن استشهاد ٣ مجندين وإصابة ٧، صباح الأربعاء، ليس خبراً عادياً بأى معيار، ومع ذلك فإن تكراره بوتيرة شبه يومية، جعل الصحف نفسها وهى تنقله لقرائها، تأخذه من الصفحة الأولى التى كانت تضعه فيها زمان إلى صفحة داخلية، وفى مساحة محدودة لا تكاد تقع عليها عيناك!
لا ننسى فى المقابل بالطبع أن الجيش وهو يخوض معركته الباسلة ضد أهل الشر فى تلك المنطقة من الشمال، يحصد منهم العشرات فى مقابل كل مجند يسقط من عندنا شهيداً أو مصاباً.. ولو أنت أحصيت الأعداد التى حصدها الجيش، خلال شهرين أو ثلاثة فقط، فسوف يدهشك أن يكون كل هذا العدد من الإرهابيين قد سقط فى شهرين أو ثلاثة، وسوف تتخيل للحظة أن أرض سيناء تُنبت هذه الأيام إرهاباً بدلاً من أن تُنبت زرعاً، وسوف تتساءل بصدق: من أين يأتى كل هؤلاء، ومتى تغيض البئر التى تقذف بهم علينا فى كل يوم؟!
إن النبع الذى يرميهم علينا، والذى لا نعرف أين هو، ولا أين بدايته، يبدو وكأنه نهر يصب فى بحر، فلا النهر يجف، ولا البحر يمتلئ!
ولا أعرف ما هو الشىء الذى علينا أن نفعله، لينتبه كل مصرى إلى أن مثل هذه المعركة التى كانت تستولى على كل وعيه، فى أعقاب ٣٠ يونيو ٢٠١٣ مباشرة، لاتزال دائرة بكل قوة، ولايزال أبطالنا من الضباط والجنود يخوضونها بكل عزيمة ممكنة، ولايزال جيشنا مصمماً على تطهير سيناء من كل ما يدنس أرضها، مهما كان الثمن؟!
لا أعرف.. ولكن ما أعرفه، وما أراه أن جيشنا العظيم يخوض معركته وحده.. أقصد أن المصريين الذين هم السند الحقيقى له مشغولون فى تفاصيل الحياة، ولا ينتبهون، إذا انتبهوا، إلا على خبر استشهاد كذا.. وإصابة كذا.. ليعودوا من جديد إلى ما هم غارقون فيه حتى آذانهم من هموم!
المعركة من أهل الإرهاب فى الشمال تبدو طويلة، ويبدو ثمنها فادحاً، ولكن لا بديل عنها، لأن الذين قرروا أن يخوضوها ضدنا لا يستهدفون منطقة الشمال فقط فى سيناء، كما قد تبدو الحكاية عند أول نظرة، إذ لو كانت المسألة هكذا فقط لهان الأمر، ولكنهم يستهدفون جيشاً، ومن ورائه يستهدفون بلداً، وهذا بالضبط ما أريده أن يكون حاضراً فى وعى كل مواطن، قد تأخذه مشاغل حياته عن ملحمة يخوضها جيشه فى صمود.
وما أريده حاضراً بصورة أقوى أن يلتفت كل واحد منا إلى أن خسائرنا فى معركة كهذه هى جزء من ثمن أكبر، ندفعه عن ٣٠ يونيو ٢٠١٣، والظاهر أننا سوف نظل ندفعه لأمد غير قريب!
ويبقى أن يُقال إن الجيش الذى يتصدى لشر الشمال بهذه الجسارة، يستحيل أن يكون قد فرّط فى شىء، فى صنافير أو تيران، فليس ذلك من طبائعه، ولا هو فى عقيدته، وليس أدل على ذلك إلا معركة طابا التى دامت سبع سنين!